ما جاء عن الحِنّ والبِنّ

قال ابن كثير الدمشقي في تفسيره وتاريخه: وقال عبد الله بن عمر: كانت الحن والبن قبل آدم بألفي عام، فسفكوا الدماء فبعث الله إليهم جندا من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور. اهـ

قلت: ولم يذكر ابن كثير المصدر الذي نقل عنه هذا الخبر!

وقال ابن كثير أيضا: "قال كثير من علماء التفسير: خلقت الجن قبل آدم عليه السلام، وكان قبلهم في الأرض الحن والبن، فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم، وأجلوهم عنها وأبادوهم منها، وسكنوها بعدهم بسبب ما أحدثوا". اهـ

قلت: وقوله: "قال كثير من علماء التفسير" مشكل، لأني لم أجده في أمهات كتب التفسير، كتفسير عبدالرزاق، وتفسير يحيى بن سلام، وتفسير الطبري، وتفسير ابن أبي حاتم. فمن هم هؤلاء العلماء الكُثُر الذين نقل عنهم ابن كثير هذه الرواية؟!

والحقّ أن القول بوجود كائنات سابقة لوجود الجن والإنس، كلام باطل موضوع، وضعه القصّاص، وقد بيّنت سابقاً أن إبليس هو أول خلق من نوعه. 

وأصل هذه الأكاذيب، أنه وقع في تفسير الطبري تصحيف في ذكر اسم الجن في بعض الروايات، فكُتبت بالحاء المهملة، ومن هنا ألّف القصّاص روايتهم عن الحِن، وأما البن، فلم أجد لهم ذكرا في أي مصدر كان، ويظهر لي، أن ابن كثير، إنما أخذه عن بعض التواريخ، التي ألفها بعض كذبة القّصَّاص، الذي اختلق وجود هذه الكائنات، وإعطائها اسم على وزن الحِنّ، ليشاكل بين أسمائها في النطق.

وليس القصّاص المتقدّمون بأفضل من القصّاص المتأخرين في وضع القصص والخرافات، ففي زماننا، خرج من اختلق وجود كائنات أخرى، فأسماها: الخن – بالخاء المعجمة – والمن والدن والسن والطم والرم! والأعجب من ذلك، أني وجدت أحدهم، ذكر مما خلقت هذه الكائنات!