أحاديث جامعه في بدء الخلق

عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض".

رواه البخاري.

وفي رواية: "ولم يكن شيء معه".

وفي رواية: "ولم يكن شيء قبله".

اختلفت الألفاظ واتّفقت المعاني، فكلّها تدل على أن الله كان متفرِّداً بالوجود، فلا موجود إلّا هو سبحانه.

ومثل هذا الاختلاف في الألفاظ يقع عادة من الرواة.

وهذا المتن، أصحّ متنٍ لحديث عمران.

أي: أن حديث عمران روي بمتون أخرى فيه تقديم وتأخير، ولكن هذا الحديث بهذا الترتيب، تشهد بصحته أحاديث أخرى، لذلك قلت: بأن هذا المتن لهذا الحديث هو أصحّ متن.

وعن وكيع بن حُدُس، عن عمه أبي رزين العقيلي، قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء". اهـ

رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، واللفظ له.

وقوله: "في عماء" العماء في لغة العرب هو السحاب الأبيض، وهذا يعني أن الله تعالى خلق السحاب الأبيض قبل خلق الماء والعرش، مع العلم أن السحاب الأبيض مخلوق من ماء، ولكن الله تعالى، خلق ذلك الماء وكثّفه مباشرة حتى صار سحاباً أبيض.

وربما كان الصواب في عمى بالألف المقصورة، والمراد بالعمى، بالألف المقصورة، أي: ليس معه شيء، وهذا يتّفق مع حديث عمران بن حصين، في أن الله تعالى كان ولا شيء غيره.

وقوله: "ما تحته .. وما فوقه" ما هنا ليست نافيه، بل اسم موصول، بمعنى: الذي، وتستخدم هنا للإشارة إلى صفة المشار إليه.

وأما الهواء، فهو الفراغ، وهو العدم المحض، الذي لا شيء فيه.

وقد يطلق اسم الهواء على الرياح؛ لأن الرياح تشبه الفراغ والعدم في بعض خصائصه.

فمعنى قوله: "ما تحته هواء وما فوقه هواء" أي: الذي تحت الله فراغ والذي فوق الله فراغ، وبمعنىً أخر: ليس تحت الله شيء، وليس فوق الله شيء.

وهذا مما يفيد أن اللفظة الصحيحة في حديث وكيع، هو العمى، بالقصر، وليس العماء بالهمز، لقوله: "ما تحته هواء" أي: ليس تحته شيء، لا سحاب أبيض، ولا غيره.

والله أعلم.