سيرة صموئيل عليه السلام

وقال تعالى في سورة البقرة: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)

قوله: (مِن بَعْدِ مُوسَى) أي: بعد زمن موسى.

قوله: (وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) دليل على أن بني إسرائيل غلبوا على بلادهم، وأخرجوا منها، وسبيت نسائهم وذراريهم، فأرادوا الانتقام من عدوهم. ويظهر من سياق الأخبار، أن هذا وقع بعد موت يوشع عليه السلام، وانهماك بني إسرائيل في الدنيا، وتقصيرهم في القيام بالشريعة، وتقصيرهم في الإعداد لملاقات أعدائهم.

وقوله: (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ) أي: ليس من بيوت الشرف في بني إسرائيل، ولم يكن ذا مال.

وقوله: (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) أي: كان عظيم الجسم، قويّ البُنية، وكان عالماً بالشريعة.

وقوله: (فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ) أي: تسكنون وتطمئنون، بأن تعيين طالوت ملكاً، هو أمر من الله تعالى.

وأما ما قيل من أن السكينة المذكورة في الآية، هي ريح هفهافة لها وجه كوجه إنسان، أو ريح لها رأسان، أو أنها ريح لها جناحان ووجه كوجه الهِرّ، أو أنها رأس هِرٍّ ميِّت، أو طست يغسل فيه قلوب الأنبياء، أو أنها روح من الله تتكلم، فكلّ هذا من هذيان القُصَّاص وأكاذيبهم وسخافاتهم، التي وضعوها على الصحابة والتابعين، ونقلها الطبري في تفسيره بلا رويَّة ولا عقل ولا تمييز، ونقل عن الطبري، من لم يكن حضّه من العقل والتمييز بأوفر مما أعطي الطبري.

والصواب الذي لا مرية فيه، أن السكينة، هي الآية التي طلبوها لتسكن إليها قلوبهم، ويعلموا أن تنصيب طالوت ملكاً على بني إسرائيل، جاء من الله تعالى، وليس من صموئيل.

وقوله: (وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ) أي: فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، مما ورثوه عن موسى وهارون، وهي الألواح التي كتبت فيها التوراة، وعصيهم، وشيء من ثيابهم، كانت بنو إسرائيل يحملونها معهم في غزواتهم تبركاً بها، لأنها آثار أنبيائهم.

وقوله: (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) أي: تطير به في السماء حتى تضعه أمامهم، دون أن يرو الملائكة.

وقوله: (إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) أي: أخذ بيده من الماء وشرب منها.

وقوله: (وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ) كان داود جنديّاً في الجيش، وكان ذا قوة وشجاعة ونجدة، فتقابل هو وجالوت، وهو ملك بعض قبائل الشام، فتمكن داود منه وقتله.

وقوله: (وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ) أي: اصطفاه بأن جعله الملك بعد طالوت، وجعله نبيّاً بعد صموئيل.

قلت: ولم يذكر الله تعالى اسم هذا النبي، إلّا أن رواة اليهود، يزعمون أن هذا النبي اسمه صموئيل، ويضعون له سلسلة نسبٍ غير موثوقٍ بها، ويدّعون أنه من سبط يوسف بن يعقوب عليه السلام.