ثم قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرُونَ قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
قوله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً) هذه الواقعة حدثت وبنو إسرائيل في مصر، وقبل الخروج منها، لأنه لما خرج بنو إسرائيل من مصر لم يكن معهم شيء من دوابهم، سوى ما يحمل أمتعتهم، والذهب الذي سرقوه من المصريين، فليس لهم بعد الخروج من مصر، بقر ليذبحوه، أو مالٌ ليورّثوه، ويظهر أنها في المدة التي كان موسى عليه السلام يسأل فيها فرعون أن يخرج معه بني إسرائيل.
عن عبيدة بن عمرو السلماني قال: كان في بني إسرائيل رجل عقيم - أو عاقر - قال: فقتله وليه، ثم احتمله فألقاه في سبط غير سبطه. قال: فوقع بينهم فيه الشر حتى أخذوا السلاح. قال: فقال أولو النهى: أتقتتلون وفيكم رسول الله؟ قال: فأتوا نبي الله، فقال: اذبحوا بقرة! فقالوا: أتتخذنا هزوا، قال: (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين). قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي؟ قال: (إنه يقول إنها بقرة) .. إلى قوله: (فذبحوها وما كادوا يفعلون) قال: فضُرِب، فأخبرهم بقاتله. قال: ولم تؤخذ البقرة إلا بوزنها ذهبا، قال: ولو أنهم أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم. فلم يورَّث قاتل بعد ذلك.
رواه الطبري.
وعن عبدالرحمن بن زيد قال: قتل قتيل من بني إسرائيل، فطرح في سبط من الأسباط، فأتى أهل ذلك القتيل إلى ذلك السبط فقالوا: أنتم والله قتلتم صاحبنا. قالوا: لا والله. فأتوا موسى فقالوا: هذا قتيلنا بين أظهرهم، وهم والله قتلوه! فقالوا: لا والله يا نبي الله، طُرِح علينا! فقال لهم موسى: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة. فقالوا: أتستهزئ بنا؟ وقرأ قول الله جل ثناؤه: (أتتخذنا هزوا) قالوا: نأتيك فنذكر قتيلنا والذي نحن فيه، فتستهزئ بنا؟ فقال موسى: (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) .
رواه الطبري.
وقوله: (لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) الفارض كبيرة السنّ، والبِكر الصغيرة، والعوان، هي التي ولدت بطناً أو بطنين.
وقوله: (صَفْرَاء) الصفراء في الدواب عند العرب، هي ذات اللون البُنِّي الداكن.
وقوله: (فَاقِعٌ لَّوْنُهَا ) أي: لونها نقي، لا يخالطه لونٌ أخر.
وقوله: (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا) أي: لا ندري أيّ بقرة يريد الله تعالى أن نذبحها، لتشابه صفاتها.
وقوله: (لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ) أي: ليست مذلَّلة لحرث الأرض وسقي الزرع، بل هي متروكة للرعي فقط.
وقوله: (مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا) أي: أنها سالمة من العيوب.
وقوله: (وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) أي: لغلوّ ثمنها.
وقوله: (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا) أي: إضربوه ببعض لحمها.