سيرة موسى عليه السلام - الميلاد والنشأة

قال تعالى في سورة القصص: (طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)

قوله: (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) أي: ميّز بين أهل مصر، وهم قومه، وبين بني إسرائيل.

وقوله: (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ) أي: يستضعف الطائفة الأخرى، وهم بنو إسرائيل.

وقوله: (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ) أي: يقتل مواليدهم الذكور، ويترك المواليد الإناث أحياءً.

عن عبدالله بن عباس، قال: قالت الكهنة لفرعون: إنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكك. قال: فجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل، وعلى كل مائة عشرة، وعلى كل عشرة رجلا فقال: انظروا كل امرأة حامل في المدينة، فإذا وضعت حملها فانظروا إليه، فإن كان ذكرا فاذبحوه، وإن كان أنثى فخلوا عنها.

رواه الطبري.

قوله: (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) والإمام هو القائد المتّبع، أي: نجلعهم قوّاداً ومتبوعين، بعد أن كانوا عبيداً تابعين، وأيضاً يشمل معنى الآية، أن الله تعالى يريد أن يجعلهم أئمة يقتدى بهم، فيما أصابهم من اللأواء، وما أعقبه من الفرج.

قوله: (وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) أي: يرثون الأرض، كون الله تعالى أراد أن يملّكهم على الجزء الغربي من بلاد الشام، ويمكن لهم فيه.

قوله: (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ) أي: نجعل لهم أرضاً يمتلكونها.

قوله: (اَلْيَم) اليمّ، المراد به هنا نهر النيل، وكانت منازل بني إسرائيل في جنوب المدينة، وكان من عادة المصريين أنهم يبنون مدنهم شرق النيل، لاعتقادهم بأن الحياة تبدأ من الشرق، بينما يبنون معابدهم الوثنية ومقابرهم غرب النيل، لاعتقادهم أن الحياة تنتهي إلى الغرب، يذهبون في ذلك إلى شروق الشمس والذي يعتبرونه بداية الحياة، وغروبها الذي يعتبرونه نهاية الحياة، وكانت الشمس معبودهم الأكبر، بإزاء غيرها من المعبودات التي يصورونها بالتماثيل، ويعبدونها في بيوتهم ومعابدهم. وكان قصر فرعون، تطل واجهته الرئيسية إلى جهة الشرق، جهة المدينة، بينما تطل واجهته الخلفية، من جهة قسم النساء، إلى النهر، وهذا تصميم متعمّد، حتى يتسنّى لجواري فرعون، إذا أردن غسل الأواني أو الملابس أو الاستحمام، أن يخرجن من خلف القصر إلى النهر.

وقوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) أي: التقطنه الخادمات.

وقوله: (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) أي: عدوّاً لهم، وسبباً لحزنهم.

قوله: (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) دليل على أن فرعون وزوجه، لم يكن لهما ولد ذكر.

قوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي: لا يشعرون بأنه سوف يكون لهم عدوّاً وحزنا.

قوله: (إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أي: أنها لشدّة وجدها على ابنها، كادت أن تكشف أمرها، وتخبر الناس بأنها ألقت ابنها في اليمّ خشية عليه من القتل، وترجو أن يبحثوا عنه ويعيدوه لها.

قوله: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) أي: أمّه، قالت لأبنتها أخت موسى، قصّيه، أي: ابحثي عنه، ولم يُذكَر كم كان عمر الفتاة في ذلك الوقت، ولم يذكر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم اسم أخت موسى، ورواة اليهود والنصارى يسمونها مريم، ويزعمون أن أباها وأبا موسى وهارون اسمه عمران، ويظهر أن هذا من تحريفهم وتخليطهم، ففي كتبهم يسمون مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام: مريم المجدلية، وهم بهذا يعتبرون اسم أبيها مجهولا، بينما نجدهم يسمون أخت موسى: مريم، ثم يزعمون أن أباها هو عمران، أي: أنهم يقولون: بأن مريم بنت عمران هي مريم أخت موسى وليست مريم أم عيسى، وهذا كاف في بيان بطلان قولهم، ونقض دعواهم، وأنهم عندهم تخليط بين الأسماء كعادتهم، فجعلوا مريم أم عيسى، هي أخت موسى عليه السلام، وجعلوا عمران والد مريم أم عيسى وأخاها هارون، هو والد موسى وهارون النبيين عليهما السلام، ووضعوا لهما سلسلة نسب ملفقة من طرفهم، ليجبروا بها النقص الذي يقع في القصص. وعلى هذا أقول: بأن ما ادعاه رواة اليهود من أن اسم والد موسى وهارون هو: عمران. قول باطل، وأنه لا يعرف اسم والدهما على الحقيقة، وما ورد في كتب السنن من أن اسم والد موسى وهارون هو: عمران. فإنما هو من إضافات الرواة، مما أخذوه عن رواة اليهود والنصارى.

إلّا أن رواة اليهود، يزعمون أن موسى من سبط لاوي بن يعقوب، وهذا من الأنساب المجملة، التي يمكن قبولها.

وموسى وهارون ومريم أسماء عربيّة، فموسى مشتق من الوَسي، وهو الحلق، ولذلك سمّيت آلة الحلق: الموس، فكأن معنى موسى: الحالق.

بينما هارون اسم مركب من شقين: الشق الأول: هار، وأما الواو والنون، فتستخدم للتصغير، كقولنا في سعد: سعدون، وفي حفص: حفصون. ونحو ذلك. وهارّ في لغة العرب، أساساً، وصف لفعل، وهو التوبيخ أو المشاتمة. فيكون معنى اسم هارون: الموبِّخ. وهار، هو اسم الجبل في اللغة العبرية، فقد يكون هار اسم من أسماء الجبل في اللغة العربيّة، ولكن العرب أهملوه حتى جهلوه، وبقيت العبريّة محتفظة به، فيكون العرب أسموا الجبل: هار، لأنه يهرّ في وجوه الناس، أي: يظهر في طريقهم، ويصدهم عنه، كما لو أنه هرّ في وجوهم.

بينما مريم على وزن مَفْعَل، من رامَ يريم إذا بَرِحَ، يُقال: ما يَرِيمُ يفعل ذلك، أي: ما يَبْرحُ، ويُقال ما رِمْتُ أفعله، وما رِمْتُ المكان، وما رِمْتُ منه.

قوله: (فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي: لا يشعرون بأنها أخته.

وقوله: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ) أي: أنهم كل ما جاءوا بمرضعة له، يأبى أن يرضع من ثديها.