خلق القلم والكتاب

قال تعالى في سورة الأنعام: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)

وقال تعالى في سورة يونس: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)

وقال تعالى في سورة هود: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)

وقال تعالى في سورة طه: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لّا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى)

وقال تعالى في سورة الحج: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)

وقال تعالى في سورة النمل: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)

وقال تعالى في سورة سبأ: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)

وقال تعالى في سورة فاطر: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)

وقال تعالى في سورة الحديد: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال: اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة".

رواه أحمد.

وفي رواية عند أحمد: "إلى قيام الساعة" والمعنى واحد، فإن الساعة هي القيامة.

وفي رواية أخرى عند الترمذي: "فجرى بما هو كائن إلى الأبد" وهو وهم من الراوي، والصواب أنه كتب المقادير إلى قيام الساعة.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة". قال: "وعرشه على الماء".

رواه مسلم.

ومن خلال هذا الحديث يتبيّن لنا عدّة أمور:

أولها: أن خلق القلم والكتاب سابق لخلق السماوات والأرض.

وثانيها: أنه ليس بين خلق القلم والكتاب وخلق السماوات والأرض خلق، وبما أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ذكرا أن الماء والعرش خلقا قبل خلق السماوات والأرض، فتبيّن بذلك، أن الماء والعرش خلقا قبل خلق القلم والكتاب.

وثالثها: إذا كان خلق الماء والعرش سابق لخلق القلم والكتاب، فهذا يعني، أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة: "أوّل ما خلق الله القلم" أي: أن القلم هو أوّل المخلوقات المرتبطة بالأكوان التي نعيش فيها، لأن القلم والكتاب إنما خلقا ليكتب بهما المقادير التي سوف تجري في هذه الأكوان.

والذي يظهر لي: أن الخمسين ألف سنة، هي المدة التي مكثها القلم في كتابة المقادير.