ما جاء عن سوم أو سوميا

ورد في بعض الكتب، أن أبا الجن شخص يدعى سوم وفي رواية سوميا، فما حقيقة هذا الشخص، وهل هو حقيقة أم أسطورة أنشأها القٌصَّاص؟

ولنجيب على هذا السؤال، يجب علينا تتبع الروايات التي ورد فيها ذكر سوم أو سوميا، والنظر فيها، والتثبت من صحتها.

وبعد البحث عن الأخبار التي ورد ذكر سوم أو سوميا فيها، لم أعثر إلا على خبرين:

الأول: ما ذكر المطهر بن طاهر المقدسي، المتوفى سنة 355هـ، في كتابه البدء والتاريخ، ما نصه: "وجاء في بعض الأخبار أن اسم أبي الجن سوم كما اسم أبى البشر آدم قالوا: وخُلِق سوم وزوجته من نار السموم فتناسلوا وكثر ولده وكانت الجن سكان الأرض قبل آدم والملائكة سكان السماء". 

إلى أن قال: "وروي عن مجاهد .. قال: ولما خلق الله تعالى أبا الجن قال له تمن قال أتمنى أن لا نرى ولا نرى وأنا ندخل تحت الثرى وأن شيخنا يعود فتى فأعطى ذلك" اهـ

قلت: وهذا خبر بلا إسناد، ولا يعرف هذا في كتب الآثار عن مجاهد، فهو على الأرجح موضوع عليه، ولو صحّ عن مجاهد، فهو مما أخذه عن ابن عباس، ولما كان فيه حجة، لما سوف نبينه.

والثاني: ما ذكره محمد بن عبدالله الشبلي، المتوفى سنة 769هـ، في كتابه آكام المرجان في أحكام الجان، موقوفا على عبدالله بن عباس، ما نصه: "وقال إسحاق قال أبو روق عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خلق الله سوميا أبو الجن وهو الذي خلق من مارج من نار قال تبارك وتعالى تمن قال أتمنى أن نرى ولا نرى وأن نغيب في الثرى وأن يصير كهلنا شابا فأعطي ذلك فهم يرون ولا يرون وإذا ماتوا غيبوا في الثرى ولا يموت كهلهم حتى يعود شابا يعني مثل الصبي يرد الى أرذل العمر" اهـ

قلت: وأبو روق هو عطية بن الحارث، من تابعي التابعين، وهو من تلامذة التابعي عكرمة، ولا يعرف لأبي روق تلميذ يقال له إسحاق، ولا ابن إسحاق، ولا أبو إسحاق، مما يدل على بطلان هذا الخبر.

ولم أجد هذا الخبر في شيء من كتب السنة المعتبرة.

وقد ورد في القرآن العظيم، التصريح بأن الله تعالى بدأ خلق إبليس من النار، كما بدأ خلق آدم من طين، فقال الله تعالى مخبرا عما قال له إبليس، عندا سأله الله تعالى عن سبب عصيانه لأمره بالسجود لآدم: ( أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) فأخبر عدو الله أن الله ابتدأ خلقه من نار، كما ابتدأ خلق آدم من طين.

وقد رُكِّبت قصة سوم أو سوميا، على ما نقله ابن عباس وابن عمرو عن أهل الكتاب، فيما أدعوه أن أن الجن خلقوا قبل آدم بألفي سنة، ومن هنا ابتدع القصاص قصة سوم أو سوميا المزعوم.

وقصة سوم أو سوميا التي ذكرها المقدسي والشبلي، هي أشبه بالأحاجي التي يؤلفها الناس للفكاهة، وللدلالة على مغزا معيّن، فلما كان من طباع الجن، أنهم يرون الناس ولا يرونهم، وأنهم يغيبون في الثرى، وأنه لا يموت كهلهم حتى يعود صبيا، ألف القاص هذه الصفات في أحجية، والدليل على ذلك أنهم ذكروا بعد هذه الرواية، أن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام، قال له: تمن. فقال: أتمنى الحيل! كناية على أن الحيل من طباع بني آدم.

والله أعلم وأحكم.