قال تعالى في سورة الأنعام: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا)
وإسحاق، مشتق من، سحق، أي: حطّم، فالسحق، هو التحطيم، فهو اسم عربي.
وقال تعالى في سورة هود: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)
قوله: (بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) العجل هو صغير البقر، والحنيذ، هو المطهو على الحجر المحمّى.
وقوله: (فَضَحِكَتْ) أي: ضحكت من غير قهقهة ولا استغراق في الضحك، والمراد به هنا الضحك المعهود، وإنما ضحكت استبشاراً بهلاك قوم لوط، لشدة فسقهم وفجورهم وكفرهم. وأما من زعم أن معنى ضحكت، أي: حاضت، فهذا معنى لا تعرفه العرب، وإنما أحدثه المحدثون من أهل الأهواء، قال الفراء: وأما قولهم - أي: قول بعض المفسّرين - : "فضحكت حاضت" فلم أسمعه من ثقة. قال أَبو عمرو: وسمعت أبا موسى الحامض يسأل أبا العباس - وهو ثعلب - عن قوله: "فضحكت أي حاضت" وقال إنه قد جاء في التفسير؟ فقال: ليس في كلام العرب.
وقوله: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) وهذه البشارة خاصة بسارة عليها السلام، بعد البشارة التي بشّر بها الملائكة إبراهيم عليه السلام، كما سوف يأتي معنا في سورة الحجر والذاريات.
وقال تعالى في سورة الحجر: (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ)
وقال تعالى في سورة مريم: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)
قوله: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) والمراد بالاعتزال هنا: الابتعاد، أي: أنه هاجر وابتعد عنهم.
وقال تعالى في سورة الأنبياء: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلا جَعَلْنَا صَالِحِينَ)
وقوله: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) أي: وهبنا له إسحاق، وبعده حفيده يعقوب، وكأن إبراهيم عليه السلام، أدرك ميلاد حفيده يعقوب، أو أنه بشّر به دون أن يراه.
وقوله: (نَافِلَةً) والنافلة، ما كان زيادة على الأصل، أي: وهبنا له ابنه إسحاق، ثم زدناه، ووهبنا له حفيده يعقوب.
وقال تعالى في سورة العنكبوت: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ)
وقال تعالى في سورة الذاريات: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ)
قوله: (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) أي: أن الملائكة لما بشّرت إبراهيم بولادة ابنه إسحاق من زوجه سارة، كانت سارة قريبة منهم، في ناحية من الخيمة، منحرفة عنهم، فأقبلت إليهم بوجهها، وقد صرخت ولطمت وجهها، على عادة النساء في الصراخ ولطم وجوههن، عندما يسمعن خبراً يفجعهن، وقالت لهم: أنا عجوز عقيم، فكيف ألد؟! ولكنهم لم يردّوا عليها، فسألهم إبراهيم عن شأنهم بعد البشارة، أخبروه أنهم أرسلوا إلى قوم لوط، ولعل هذا هو السبب في عدم ردّ الملائكة على سارة لما سألتهم، وهو أن إبراهيم بادرهم بسؤاله، وهنا ضحكت سارة كما أخبر الله تعالى في سورة هود، فبشّرها الملائكة بولادة ابنها إسحاق، وهذه بشارة خاصة منهم لها، عليها السلام.
وقد أعقب إسحاق ولدين.
جاء في تاريخ اليهود: "وَهَذِهِ مَوَالِيدُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: وَلَدَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ. وَكَانَ إِسْحَاقُ ٱبْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمَّا ٱتَّخَذَ لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ ٱلْأَرَامِيِّ، أُخْتَ لَابَانَ ٱلْأَرَامِيِّ مِنْ فَدَّانِ أَرَامَ. وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى ٱلرَّبِّ لِأَجْلِ ٱمْرَأَتِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا، فَٱسْتَجَابَ لَهُ ٱلرَّبُّ، فَحَبِلَتْ رِفْقَةُ ٱمْرَأَتُهُ .. فَلَمَّا كَمُلَتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ إِذَا فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ. فَخَرَجَ ٱلْأوَّلُ أَحْمَرَ، كُلُّهُ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ، فَدَعَوْا ٱسْمَهُ «عِيسُوَ». وَبَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَ أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو، فَدُعِيَ ٱسْمُهُ «يَعْقُوبَ»". اهـ
وقولهم إن إسحاق لمّا تزوّج زوجته كان عمره أربعين سنة، قولٌ فيه نظر، ويظهر أنه بعيد كل البعد عن الصواب، في بيئة جرت العادة أن يتزوّج الرجال والنساء في وقتٍ مبكِّرٍ جدّاً من عُمُرهم.
كما أن تحديدهم لاسم وشعب زوجة إسحاق، هو الأخر لا يمكن الوثوق به، ولكنه رواية شعبيّة الله أعلم بصحّتها.
وقولهم، أن إسحاق سَمَّى ابنه عيسو، هذا الاسم تحريف في العبريِّة، وصوابه: عيسى، ولكن لما تغيّرت ألسن بني إسرائيل واستعجمت، لم يحسنوا لفظ هذا الاسم بصيغته العربيّة، فقالوا: عيسو، وأما مؤرخي العرب، فقد حرّفوا الاسم إلى عيص، أو العيص، وهذا باطل.
وعيسو أو عيسى، مشتق من الأعيس، وهو الأبيض، شديد البياض، ويُصدِّق ذلك، ما ورد في كتب أهل الكتاب، حيث ورد ما نصّه في ذكر ميلاد عيسو ويعقوب: "فَخَرَجَ ألأَوَّلُ أَحْمَرَ، كُلُّهُ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ، فَدَعَوْا اسْمَهُ عِيسُوَ" اهـ وقوله: "أحمر" أي: أبيض شديد البياض، لأن العرب تسمي الأبيض شديد البياض أحمراً، وهذا يؤكد على أن اسم عيسو اسم عربي، مشتق من ألفاظ عربيّة.
ويذكر رواة اليهود، أنه كان له ولد كثير، وأنهم انتقلوا ونزلوا بجبل سعير، وتعرف المنطقة التي يقع الجبل فيها، باسم: أدوم، لذلك غلب على ولد عيسو، اسم المكان الذي نزلوا به، فيقال لعقبه: أدوم، والأدوميون.