خلق الملائكة

والملائكة، جمع، ومفرده: مَلَاك. ومعنى الملاك في لغة العرب، أي: المنظّم، والمقوِّم. كما تقول العرب: ملاك الأمر. أي: نظامه وقِوامه. وملاك، هو من مترادفات، اسم، أو وصف: مَلَك. فالملاك والملك معنيان مترادفان.

ولأن الله تعالى أوكل إلى ملائكته تقويم خلقه على نظامه الذي أمر به، سمّاهم ملائكة، فقد خلق الله الملائكة لعبادته وخدمته، مع كمال غناه عنهم سبحانه وتعالى، فهو سبحانه العزيز الجبّار المتكبر، فلا يباشر الأعمال بنفسه إلا ما شاء منها، ويكل ذلك إلى من شاء من خلقه.

وقد اختص الله ملائكته بهذا الاسم، مع اشتراك غيرهم معهم في الوصف الذي يدل عليه اسمهم.

كما سمّاهم الله تعالى بالملأ الأعلى.

قال تعالى في سورة الصافات: (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ)

وقال تعالى في سورة ص: (مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ)

وسمّاهم بذلك؛ لأنهم ملئوا الأكوان العلوية، وهي السماوات السبع، والحضرة الإلهيّة المعظّمة.

وأشرف الملائكة ثلاثة هم: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل.

قال تعالى في سورة البقرة: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ)

وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال: سألت عائشة أم المؤمنين: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: "اللهم ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبداك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اُختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"

رواه مسلم.

ومن أشراف الملائكة أيضاً: مالك رئيس خزنة النار.

قال تعالى في سورة الزخرف: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ)

وعن سمرة رضي الله عنه، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال: من رأى منكم الليلة رؤيا؟ قال: فإن رأى أحد قصها، فيقول: ما شاء الله فسألنا يوما فقال: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قلنا: لا، قال: لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي" .. إلى أن قال: "فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها" .. إلى أن قال: "والذي يوقد النار مالك خازن النار .. وأنا جبريل، وهذا ميكائيل".

ومن أشراف الملائكة أيضاً: الملك الموكّل بالنفخ في الصور.

قال اللهُ تعالى في سورة الزمر: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما طرف صاحب الصور مذ وكل به مستعدا ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عينيه كوكبان دريان".

رواه أبو الشيخ في العظمة، بسند حسن.

ولا يدرى متى خُلِق الملائكة، وهل خُلِقوا دفعة واحدة أم خُلِق كل طائفة مع السبب الداعي لوجودهم، إلا أن ما نقطع به، أن جزءً من الملائكة على الأقل، خُلِق قبل خَلْق الجنة والنار.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة، فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها" .. الحديث

رواه الترمذي.

فدل هذا الخبر، على أن جبريل عليه السلام، وطائفة من الملائكة، خلقوا قبل خلق الجنة والنار.

وأما صفات الملائكة الخَلْقيّة.

فالملائكة خلقوا من نور.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وخلق آدم مما وصف لكم".

رواه مسلم.

وقوله: "مما وصف لكم" أي: من طين.

وهذا فيه دلالة على أن خلق النور، متقدم على خلق الملائكة.

والملائكة كائنات ذوات أجنحة، منهم من له جناحان عن يمينه وجناحان عن شماله، ومنهم من له ثلاثة يمينه وثلاثة عن شماله، ومنهم من له أربعة عن يمينه وأربعة عن شماله.

قال تعالى في سورة فاطر:(جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)

ومنهم من له أكثر من ذلك.

عن عبدالله بن مسعود، في تفسير قوله تعالى في سورة النجم: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) قال: رأى جبريل له ستمائة جناح.

رواه البخاري.

والملائكة ليسوا ذكوراً ولا إناثا، بل هم جنس واحد، إلا أنهم في الخلقة أقرب إلى الذكور، إلا أنهم أقوى وأكمل.

وقد أنكر الله تعالى على من وصف الملائكة بأنهم إناث.

فقال تعالى في سورة الإسراء: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا)

وقال تعالى في سورة الصافات: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)

وقال تعالى في سورة الزخرف: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)

فدل هذا على أنه لا إناث فيهم، ولو كان فيهم إناث، ما استنكر الله على من قال بذلك.

وبما أنهم جنس واحد، فهم لا يتوالدون، كما أنهم لا يموتون، فليسوا في حاجة إلى التناسل، الذي جعله الله سبباً لبقاء الأنواع التي قدّر عليها الموت.

ولا يدرى كيف يعيش الملائكة في السماوات، وهل لهم منازل يأوون إليها، أم أنهم لا منازل لهم، وهل هم ينامون أم لا.

وزعمت طائفة أن الملائكة لا تنام، واحتجوا على ذلك بقوله تعالى في سورة الأنبياء: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) فقالوا: بما أنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ففي هذه إشارة إلى أن الملائكة لا تنام.

وهذه الآية، ليس فيها تصريح بأن الملائكة لا تنام، فالعرب تقول: فلان يعمل اليل والنهار لا يفتر. ولا يريدون بذلك أنه لا ينام مطلقاً، بل يشيرون بذلك إلى كثرة انشغاله بعمله، وقضاء أكثر وقته فيه.

ومما يدل على ذلك أن الملائكة يجلس بعضهم إلى بعض، ويتحدث بعضهم إلى بعض، وربما اختصموا - أي: تناقشوا واختلفوا - في بعض المسائل.

عن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله في منامه، وأن الله تعالى سأله: "فيما يختصم الملأ الأعلى" .. الحديث.

رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

فدلّ هذا على أنه ليس كل وقتهم تسبيح.

ولا يُدرى هل الملائكة يأكلون ويشربون ويتنفسون أم لا؟

ورد في حديث المعراج الطويل، الذي رواه البخاري ومسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى سدرة المنتهى، وهي الشجرة العظيمة، التي فوق السماء السابعة، ووصف نَبْقَها، بأنها كقلال هَجَر.

فلعل هذا النَبَق طعام لملائكة السماء السابعة.

وهذا ليس دليلاً لإثبات أن الملائكة تتناول الطعام، لأن هذا النبق قد يكون خلقه الله تعالى لعلّة أخرى، قد يكون خلق ليعطي السدرة مظهراً أكثر روعة وجمالاً، أو لغيرها من الأسباب التي لا يعلمها إلا الله تعالى.

وزعمت طائفة أن الملائكة لا تأكل الطعام، واحتجوا على ذلك بقوله تعالى في سورة هود: (فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ).

وهذه الآية، ليس فيها دليل على أن الملائكة لا تأكل الطعام، فقد لا يكون اللحم من طعامهم، أو أنهم لم يجسروا على الأكل من الطعام لأن الله تعالى لم يأذن لهم بذلك، وقد يكونون حقاً لا يأكلون الطعام.

إلّا أنه ثبت أنهم يشمون الروائح، فيستطيبون طيّبها، ويستقبحون قبيحها.

عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل من هاتين الشجرتين المنتنتين البصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".

رواه البخاري ومسلم.

ولكن لا أحد يدري كيف يشمون الروائح، وهل لهم رئات مثل البشر أم لا.

وأما لباسهم، فما من شكٍّ أن لهم لباسا، ولكن لم يرد في القرآن العظيم، ولا فيما صحّ من الأحاديث ما يفيدنا عما إذا كان هذا اللباس جزء من أجسادهم، أي يُخلق معهم، أو أن الله يخلق لهم ألبسة مستقلة، وهم يرتدونها، وسواء كان هذا أو ذاك، فالملائكة بألبستهم مخلوقات ذوات جمال فائق، وحسنٍ رائق.

فقد أقر الله تبارك وتعالى صواحب يوسف، عندما ضربن المثل بجمال الملائكة، وشدّة حسنهم، في قوله تعالى في سورة يوسف: (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ)

وأقبحهم، وليس فيهم قبيح، هم خزنة النار.

عن سمرة بن جندب، أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى مالك خازن النار، في منامه، في صورة رجل كريه المرآة، كأكره ما أنت راء من الرجال.

رواه البخاري.

وفي هذا دليل على أن صور الملائكة الظاهريّة، تشبه صور بني آدم.

وللملائكة القدرة على التشكل في صور شتى متى شاء الله تعالى، فقد ورد في سِيَر الأنبياء أن الملائكة جاءوا إبراهيم ولوط في صورة رجال من الإنس، كما ورد أن جبريل تشكل مرة في صورة جمل، وهو فحل الإبل، وتشكل مرة في صورة دحية الكلبي أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن جبريل كان يأتي النبي أحياناً في صورة رجل، فيكلمه، وهذا ليس للملائكة بعادة، وإنما الله عز وجل، هو من يأمر طائفة من الملائكة بالتشكل، للضرورة، عند نزولهم إلى الأرض.

وأما صفاتهم الخُلُقيَة.

فقال تعالى في سورة النحل: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)

وقال تعالى في سورة الأنبياء: (وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ)

وقال تعالى في سورة الأنبياء أيضاً: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)

وقال تعالى في سورة التحريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)

فدلت هذه الآيات، على أن الملائكة، مخلوقات جبلت على الحق والخير والطاعة، فقط.