عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل: "فاستأذن على الله في داره فيؤذن لي عليه" .. الحديث.
رواه البخاري.
والدار، هو ما أحاط بالشيء وأحدق به، سمّي بذلك لأنه يدور عليه، وهو يشتمل على معان عديدة، والمراد به هنا: ما دار حول المنزل.
فأثبت في الحديث أن لله تبارك وتعالى داراً تليق بجلاله وعظمته، وأن من أراد الدخول إليه في داره، وجب عليه أن يستأذن حتى يأذن الله له، والدار مثل الحُجُب، مما أذن الله له من مخلوقاته أن تحده وتحجبه.
وقد زعم البعض أن كلمة "الدار" شاذة، لم ترد إلا في رواية واحدة، وباقي الروايات لم يرد فيها ذكر الدار، يريد بذلك إنكار وجود الدار.
والجواب على ذلك: أن كلمة "الدار" وإن لم ترد سوى في رواية واحدة، إلا أن جميع الروايات تتفق على هذا المعنى وتصححه وتؤكده، فقد ورد في جميع الروايات باتفاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فاستأن على ربي" هذا ما قاله رسول الله نصاً في جميع الروايات التي رويت عنه، فما الذي يحول بينه وبين الله، حتى أنه لا يستطيع الوصول إليه إلا بعد أن يُستأذن له عليه، إذا هناك حائل بينه وبينه ربه، وهي الدار.
فكل هذه المعطيات، تدل على صحّة لفظة "الدار" وإن لم يصرّح بها إلا في رواية واحدة، ولهذا أوردها أمير المؤمنين في الحديث البخاري واحتج بها.
وإذا كانت بيوت مؤمني الإنس والجن في الجنّة من ذهب وفضة، فكيف هي يا ترى دار الله تعالى، لا شك أنها أبهى وأعظم وأجمل.
ولا يوجد دليل شرعي، عمّا إذا كان لهذه الدار سقفٌ أم لا، فقد تكون دار الله بلا سقف، من باب كونه سبحانه وتعالى لا يعلوه شيء من خلقه، وهو الراجح.
وقوله: "فيؤذن لي عليه" يدل على أمرين:
الأول: أن لهذه الدار باب.
والثاني: أن لهذه الدار حجبة، يمنعون من أراد الدخول على الله تعالى، إلا بعد أن يأخذوا الإذن له من الله تعالى، وهؤلاء الحجبة من الملائكة.
والذي يظهر لي، أن خلق الدار تمّ بعد خلق العرش والكرسي، لأنه محيط بهما.
ثم خلق الله تعالى الفحص.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بعض روايات حديث الشفاعة الطويل: "حتى يأتوني فأنطلق إلى الفحص فأخرُّ ساجداً". قال أبو هريرة: يا رسولَ الله وما الفحص؟ قال: "قُدّام العرش".
رواه الطبري في تفسيره، بسند فيه ضعف، ومعناه صحيح.
فأثبت في الخبر أن قدام العرش الذي هو على الماء موضع يقال له الفحص، يقف عليه النبي عند الشفاعة مما يدل على أن الفحص، موضع أعدّه الله تعالى لوقوف من يشاء أن يقابل الله تعالى ويحدّثه كفاحاً بلا واسطة، من ملائكته أو أنبيائه.
وبما أن الفحص جزء من الدار، فخلقه تمّ مع خلق الدار.
والله أعلم.