قال تعالى في سورة يونس: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)
قوله: (إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ) ولا يذكر أهل الكتاب شيئاً عن نسب يونس أكثر من أنه ابن متّى، ولم يذكروا إلى أيّ أسباط بني إسرائيل ينتسب، وأما النسب المذكور ليونس بن متّى في كتب التاريخ الإسلامي، فهو من وضع قصّاص المسلمين وأكاذيبهم.
ورواة اليهود والنصارى، يسمونه يونان بن متّاي، على عادتهم في تحريف أسماء الأنبياء.
بينما يونس اسم عربيّ، مشتق من الأُنْس.
ومتّى اسم عربيٌّ أيضاً، مشتق من المَتّ، وهو الاتصال، تقول العرب: متّ له بنسب أو رحِم، أي: اتّصل له بنسب أو قرابة.
ويذكر رواة اليهود والنصارى، أن يونس من قرية نينوى، والتي بنيت مدينة الموصل على انقاضها، وبما أن الدولة السومرية والآشورية والبابلية، قامت بعد زمن نبي الله سليمان، وبما أن يونس من بني إسرائيل، فهذا دليل على أن بني إسرائيل، هم أوّل من بنى مدينة نينوى، وأنها كانت في أيديهم حتى انتزعها منهم الآشوريون واتخذوها عاصمة لهم، فاندمج أهلها من بني إسرائيل مع الأمم الأخرى التي خالطتهم في مدينتهم، وربما هاجر كثيرون منهم خارج نينوى ليسكنوا في مدن أخرى، طلباً للمتّسع والمعاش.
وتدل هذه الآية الكريمة، أن الله تعالى قد هيئ لهم العذاب، فلما شعروا به، ضجّوا بالدعاء لله تعالى، فرفعه الله عنهم، وهذا ما لم يقع في من سبقهم من الأمم، إذا هيئ الله لهم العذاب، لم ينفعهم شيء حتى يقع بهم.
وقال تعالى في سورة الأنبياء: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)
وقوله (وَذَا النُّونِ) أي: صاحب الحوت، وذو تأتي بمعنى صاحب، والنون هو الحوت.
وقوله: (مُغَاضِبًا) أي: غاضباً من قومه، لمّا أبو الاستماع إليه، والانقياد له، فخرج من قريته دون إذنٍ من الله تعالى.
وقوله: (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) أي: ظنذ أن لن نُضيِّق عليه، فالقدرة هنا بمعنى التضييق، أي: ظنّ أن الله تعالى لن يعاقبه بسبب خروجه من القرية بغير إذنٍ منه سبحانه وتعالى.
وقوله: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ) أي: في ظلمات بطن الحوت والبحر.
وقال تعالى في سورة الصافات: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)
قوله: (الْمُرْسَلِينَ) أي: أنه كان نبيّاً رسولا.
وقوله: ( إِذْ أَبَقَ) أي: خرج بدون إذنٍ من الله تعالى، فهو كالعبد الآبق من سيده.
وقوله: (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) الفلك هو السفينة، والمشحون، أي: المشحون بالبشر والبضائع.
وقوله: ( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ) أي: أنهم صنعوا قرعة يقترعون بينهم، من يُلقى في البحر، فوقعت القرعة عليه، فألقوه في البحر، والمدحض، هو: المغلوب.
عن قتادة بن دعامة قال: فاحتبست السفينة، فعلم القوم أنما احتبست من حدث أحدثوه، فتساهموا، فقُرِعَ يونس، فرمى بنفسه، فالتقمه الحوت.
رواه الطبري.
وقوله: (وَهُوَ مُلِيمٌ) أي: المُلَام، وهو وصف يطلق على المذنب، الذي يستحق اللوم على ذنبه.
وقوله: (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء) أي: ألقاه بساحل البحر. فالنبذ هو الإلقاء، والعراء هو الفضاء.
وقوله: (وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ) أي: بجواره، ليأكل منها.
وقوله: (أَوْ يَزِيدُونَ) أي: أنهم يزيدون على المائة ألف، والعرب يقتصرون في ذكر الأعداد على .. ، والواو حرف عطف، ولا يقتضي الترتيب والبعديّة، فقد يكون المعطوف سابقٌ للمعطوف عليه، أو وقع معه، أو وقع بعده، والمعطوف هنا وقع قبل وبعد التقام الحوت، كون الله أرسله إليهم قبل أن يلتقمه الحوت، وبعد أن لفظه الحوت.