سيرة موسى عليه السلام - خبر قارون

وقال تعالى في سورة القصص: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)

قوله: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ) أي: أنه من بني إسرائيل، فبغى عليهم، أي: تكبر وتجبر عليهم.

قوله: (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) أي: تثقل عليهم، فلا يحملونها إلّا بمشقة. والعصبة، هم الجماعة من الرجال.

وتدل الآيات، على أن قارون كان فاحش الثراء، حتى إن مفاتيح خزائن أمواله، ليثقل حملها على العصابة من الرجال، وفي هذا دليل على أن من بني إسرائيل، من كان يمتهن التجارة، ومن كان ذا ثروة وجاه، في إشارة واضحة أنهم كانوا يعيشون في مصر حالة اجتماعية مستقرّة، نوعاً ما، وأن فيهم تجاراً وميسوري حال وفقراء كادحين، وإنما وقع الظلم عليهم، من قبل أن فرعون وقومه، لمّا كثر عددهم، وخافهم المصريّون، فأراد فرعون قتل مواليدهم الذكور، حتى لا يكثر عددهم، بحيث تكون لهم قوّة ومنعة.

وقوله: (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) الفرح المراد به هنا، الفرح الذي يجر إلى الكِبر والبطر والغرور والتعالي على الناس، وليس المراد بالفرح، السعادة بما هو فيه من غنى، وكل فرح مذموم في القرآن، فإنما يراد به الكِبر والبطر والغرور والتعالي على الناس.

وقوله: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) أي: بحنكتي وذكائي، فجحد فضل الله عليه.

وقوله: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ) أي: عاقبه الله تعالى على كِبره وبطره وغروره وتعاليه على الناس، وجحوده لفضل الله عليه، فخسف به وبداره الأرض، وكيف خسف الله به، قد يكون هذا وقع بشكل طبيعي، كأن يكون داره بجانب النهر فانهارت الأرض من تحته، فانهار البناء معها، وسقط في النهر، وقد يكون الخسف وقع بشكل غير طبيعي، بحيث شق الله الأرض وابتلعت داره وهو فيها، ثم أطبقها الله عليه.

وقال تعالى في سورة العنكبوت: (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ)

أي: جاءهم بالآيات الواضحات، على أن ما يقوم به ليس سحراً، بل هو حقيقة، وأنها دليل على صدقه فيما ادعاه من النبوة.

وقال تعالى في سورة غافر: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)

أي: أنهم جميعاً كذّبوه، وقالوا: ليس موسى بنبي، وإنما هو ساحر كذاب.

فدلّت الآيات، على أن قارون كان كافراً بنبوءة موسى عليه السلام، وهذا دليل على أن خبر قارون، كان قبل أن يخرج بنو إسرائيل من مصر، ثم إن بني إسرائيل عندما خرجوا من مصر، لم يحملوا من أموالهم شيئاً، إلا ما خفّ من أمتعتهم، وما انتهبوه من ذهب أهل مصر.