سيرة موسى عليه السلام - الدعوة إلى الجهاد

 ثم قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) 

قوله: (ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ) أي: بيت المقدس، وبها الصخرة، قِبلة إبراهيم عليه السلام، أمر الله بني إسرائيل أن يسيروا إليها، ويستولوا عليها، لأنهم هم أهلها.

قوله: (وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا) أي: ادخلوا باب المدينة مطئطئي الرؤوس، خضوعاً لله تعالى.

قوله: (وَقُولُواْ حِطَّةٌ) أي: قولوا: أُدعوا الله تعالى أن يحطط عنّكم خطاياكم.

وقال تعالى في سورة المائدة: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)

قوله: (جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء) أي: إبراهيم وإسحاق وإسرائيل ويوسف ثم موسى الذي يعيش بين أظهرهم.

وقوله: (وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا) أي: أصبح كل واحد منكم يملك نفسه، بعد أن كان عبداً للمصريين.

وقوله: (وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ) أي: من تفجير العيون وإضلال الغمام والمن والسلوى، وأعظم تلك النِعَم، نِعمة الهداية إلى الله تعالى.

وقوله: (الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ) أي: الجانب الغربي من الشام.

وقوله: (إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ) أي: قبائل الشام، وكانت تلك القبائل، ذات قوة وبأس، ومراس على الحروب، فخافهم بنو إسرائيل.

وقوله: (قَالَ رَجُلانِ) يقول رواة اليهود، أن أحدهما هو: يوشع بن نون، والأخر كالَب بن يَفُنَّه، وكانا شابين صالحين.

وقوله: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) لعل هذا هو المراد بقوله تعالى في سورة البقرة: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)

وقوله: (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ) أي: يتيهون في أرض سيناء، لا يدرون أين جهتهم، ولا يدرون أين مصر وأين الشام، حتى تنقضي أربعين سنة.

وقال تعالى في سورة الأعراف: (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ)

قوله: (الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ) أي: أن منهم من لم يقل بهذا القول، لأن قوله: (منهم) للتبعيض، ولكن يظهر أن أكثرهم من الذين ظلموا، لذلك عاقبهم الله تعالى بالتيه.

وقوله: (رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء) أي: أنزل الله عليهم عذاباً من السماء، والرجز هو العذاب، ولم يخبرنا الله تعالى ما هو العذاب، ولعله التيّه الذي وقعوا فيه.

فمكثوا على ذلك حتى مات موسى عليه السلام، ومات هارون عليه السلام.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَيتُ على موسى ليلةَ أُسرِيَ بي عندَ الكَثيبِ الأحمَرِ وهو قائمٌ يُصلِّي في قبرِه".

رواه مسلم.

وهذا يدل على أن قبر موسى عليه السلام في أرض رملية، وموسى لم يخرج من التيه، وعلى هذا فموضع قبر موسى عليه السلام في موضع بين سيناء وصحراء النقب، على طريق المسافرين بين الحجاز وبيت المقدس.

وهذا يفيدنا أن ادّعاء اليهود، أن قبر موسى بجبل نيبو، كذب، ومن تلفيق قصاصهم.

ومما يدل على ذلك أن جبل نيبو ليس على طريق هجرة النبي إلى المسجد الأقصى.

وأما هارون، فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أين دفن، ولكن ما من شك أنه مات بالتيه، لأنه لم يدرك خروج بني إسرائيل من التيه، بل مات قبل ذلك باتفاق، ومما يدل على ذلك، أن الذي قادهم للخروج من التيه، هو يوشع بن نون، فلو كان هارون حياً لتولى هو قيادتهم، بل يقال بأنه توفي قبل موسى عليهم السلام.