سيرة موسى عليه السلام - ميعاد الأربعين

 قال تعالى في سورة الأعراف: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)

قوله: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ) أي: أن موسى لما وجد موضعاً يقيم فيه، أخذ ينتظر ما يأمره ربه به، فأمره الله تعالى أن يقدم بقومه إلى الجانب الأيمن من جبل الطور، كما ذكر في سورة مريم، بعد ثلاثين ليلة، فلما تمّت الثلاثين ليلة، زادها الله عشر ليال، ولا أحد يعلم على وجه الحقيقة لماذا واعده الله بعد ثلاثين ليلة، ولماذا زادها عشر ليال، خصوصاً وأن المسافة من الموضع الذي جاوز منه موسى وقومه البحر إلى الجانب الأيمن من جبل الطور، لا تحتمل كل هذا الوقت.

وقوله: (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) أي: أن موسى عليه السلام، لمَّا استعجل للقدوم إلى الجانب الأيمن من جبل الطور، كما أمره الله تعالى، خلّف أخاه هارون في بني إسرائيل، وأمره أن يقودهم للَّحاق به.

وقوله: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ) أي: كل شيء افترضه الله عليهم من العبادات والمعاملات والمحرمات والحدود والكفارات والقصص ونحو ذلك.  

وقوله: (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ) أي: بجدّ وحزم وعزم. 

وقوله: (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا) أي: يقوموا بأوامر الله ونواهيه، على أحسن وجه.

وقوله: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) في هذه الآية، دليل على أن الكفر أو العصيان نابع من نفس العبد أولاً، وأن الله تعالى يعامل عباده بما في أنفسهم، فمن أراد الحق هداه إليه، ومن أراد الكفر أو العصيان أضله.