خلق آدم عليه السلام

ثم خلق الله عز وجل آدم عليه السلام، واشتق اسم آدم عليه السلام من أديم الأرض، وأديم الأرض هو وجهها وسطحها، والمراد به هنا التربة.

وقد خلق الله آدم من تربة الأرض الطينية، وهي التربة التي إذا مزجت بالماء صارت كالعجينة، ومنها كان الناس يصنعون أوانيهم ويبنون بيوتهم.

قال تعالى في سورة الأنعام: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ)

وقال تعالى في سورة الحجر: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ)

وقال تعالى في سورة المؤمنين: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ) 

وقال تعالى في سورة السجدة: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ) 

وقال تعالى في سورة الصافات: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لّازِبٍ)

وقال تعالى في سورة الرحمن: (خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ)

وعن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب، والسهل والحزن وبين ذلك".

رواه أبو داود والترمذي.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: "خلق الله آدم على صورته؛ وطوله ستون ذراعاً، فلما خلقه قال: اذهب، فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يجيبونك؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن".

رواه البخاري ومسلم.

وقوله: "على صورته" أجمع أئمة أهل الحديث، على أن الهاء راجعة إلى صورة الله تعالى، والكون التي هي فيه، فصورة آدم عليه السلام، على صورة الله عزّ وجل.

وقوله: "طوله ستون ذراعاً" هذا هو طوله في الجنَّة، والذي يظهر لي، أنه لم هبط إلى الأرض، حَطَّ الله تعالى من طوله، حتى صار في مثل طولنا، وذلك ليتناسب طوله مع المحيط الذي يعيش فيه، ويستفيد من الأنعام التي خلقها الله عز وجل له، من إبل وبقر وغنم، وغير ذلك. 

وأما قوله: "فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن" يظهر لي، أنه زيادة من الراوي، وليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لمّا وقع له في الخبر عن رسول الله، أن طول آدم في الجنَّة ستون ذراعاً، ظنّ أن هذا هو طوله لمّا هبط إلى الأرض، فأراد أن يُعلِّل سبب نقصان طول الإنس عن هذا الطول، فادعى أن الخلق أخذ ينقص حتى صار إلى طول الإنس المعروف.

ويدل على أن آدم لما هبط إلى الأرض، صار في مثل طولنا، أن مساكن ثمود المنحوتة في الجبال، طول أبوابها كطول أبوابنا، مع أن قبيلة ثمود، من أقرب الأمم زماناً لآدم عليه السلام، ومن المفترض، أن يكونوا في طول أكبر بكثير من طولنا، وبالتالي، يجب أن تكون طول أبوابهم أكبر بكثير، مما هي عليه الآن.

فتبيّن بذلك، أن طول الإنس واحد، لم يتغيّر منذ أن أُهبط أبوهم آدم من الجنَّة.

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذن الله، فقال له ربه: رحمك الله ربك يا آدم" .. الحديث.

رواه الترمذي.

وعن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما صوّر الله آدم في الجنّة، تركه ما شاء أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به، ينظر ما هو، فلما رآه أجوف، عرف أنه خُلِق خلقا لا يتمالك".

رواه مسلم.

وقوله: "لما صوّر الله آدم في الجنّة" دليل على أن آدم أُدخِل الجنّة وهو طينة لم يصوّر بعد، ولم يتم تصويره إلا بعد دخوله الجنّة.

وقوله: "فجعل إبليس يطيف به" دليل على أن الله تبارك وتعالى كان قد كسى آدم من ثياب الجنّة، بعد أن صوّره مباشرة، فما كان الله تعالى ليكشف عورة آدم لأحد من خلقه.

وفي هذا دليل على كذب الحديث الذي ورد فيه أن إبليس كان يدخل من فِيّ آدم ويخرج من دُبُرِه.

وعن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير يوم طلعت عليه الشمس، يوم الجمعة. فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة".

رواه مسلم.