اتصال أخبار قبيلة ثمود إلى القرن الثاني الميلادي

 يؤكد الباحثون في الآثار التاريخية، أن قبيلة ثمود، بقيت مذكورة في التاريخ إلى قُبيل نهاية القرن الثاني الميلادي.

فقد ذكر منذر البكري، في كتابه: دراسات في تاريخ العرب قبل الإسلام، أن أول ذكرٍ لثمود في هذه المصادر هو ما ورد عنها في سجلات الملك الآشوري سرجون الثاني، فقد جاء فيها أنه شن حملة على بعض القبائل العربية في بادية الشام وشمال غربي الجزيرة العربية وهزمها، وكان من بينها قبيلة ثمود، وهذا يعني أن ثمودَ كانت موجودة في هذه المنطقة قبل هذا التاريخ بكثير أو قليل. ومن المحتمل أن يكون سرجون هذا قد أجلى بعض الثموديين وأسكنهم في السامرة في فلسطين مع من أجلى من هذه القبائل وأسكنهم هناك، بناء على الخبر الذي جاء في سجلاته، غير أن اللافت للنظر أن التوراة لم تذكر الثموديين مع من ذكرت من أقوام وقبائل، برغم أن بعضهم عاش في الشمال الغربي من الجزيرة العربية وأطراف الشام قروناً طويلة تزيد على ألف عام. وكذلك لم يذكرهم الملك نبونئيد (آخر ملوك الدولة الكلدية في بابل) الذي غزا هذه المنطقة ( يقدر الباحثون أن ذلك وقع في حدود عام 551 ق. م. وهو رقم ظني لا حقيقة له) مع أنه فصَّل أخبار غزوته في مسلته التي عثر عليها في حران عام 1956م، وذكر فيها أنه احتل واحة تيماء وقتل زعيمها مالك (ملكو) ثم احتل دومة الجندل، وتوغل بعدها في الجنوب فاحتل العلا وفدك والبدع وخيبر ويثرب ، وبنى له قصراً في تيماء (أقام فيه نحو عشر سنوات)، وكذلك شأن المؤلفين الكلاسيكيين المبكرين من اليونان والرومان الذين كتبوا عن العرب وذكروهم في مؤلفاتهم مثل: هيرودوتس وثيوفراستوس وإيراتوستينس، فهم لم يذكروهم مع من ذكروا فيها. وكان أول من ذكرهم أجاثريدس، وجاء ذكرهم عنده باسم Thamudenoi. وقال إنهم يسكنون عند شاطيء صخري يبلغ طوله نحو (100) ستاديون (الستاديون الواحد طوله 400 ذراع) ويقع هذا الشاطئ عند ما سماه الخليج الطويل للبحر الأحمر، والواضح أنه يقصد ما يعرف اليوم باسم: خليج العقبة. وتكرر ما ذكره أجاثريدس عند ديودروس الصقلي في القرن الأول الميلادي مع اختلاف طفيف. ثم ذكرهم أورانوس وقال إنهم يقطنون على حدود ما يعرف في الأدبيات الكلاسيكية بالمقاطعة العربية. وإلى مثل هذا ذهب بطليموس في القرن الثاني للميلاد. اهـ

ويقدّر الباحثون التاريخيون، حياة الملك سرجون الثاني ، بين عامي ( 721-705 ق. م. ) كما يقدرون زمن حربه التي شنها على القبائل العربية في حدود سنة ( 715 ق. م. ) وهذه السنين، إنما هي مقدّرة تقديراً، ويغلب عليها الظن، كونها تعتمد على فحص الآثار بطرق لا يمكن الجزم بصحتها.

كما عُثِر على نقش في معبد بُني في موضع يقال له "روَّافة" كتب في زمن امبراطور روما أغسطس، أي: في بدايات القرن الثاني الميلادي، حيث جاء فيه ما نصّه: "من أجل البقاء الأبدي لسادة حكام العالم، الإلهين الكبار: العظيم أغسطس قاهر الأرمنيين، ماركوس أورليوس أنطونيوس ولوشيوس أورليوس فيروس، قام زعماء اتحاد الثموديين بإنشاء هذا المعبد تحت رعاية ودعم أنتيستيوس أدفنتوس، الحاكم المنتدب لأغسطس، الذي شجعهم". اهـ

وما ورد أعلاه، له تفسيران:

الأول: أن المؤمنين من قبيلة ثمود، تكاثروا وتناسلوا حتى عادوا قبيلة ذات عدد، حيث استقرت في الجزء الشمالي الغربي من جزيرة العرب، وأن هذه القبيلة استمرت في الوجود إلى ألاف السنين، حتى أدركوا القرن الثاني الميلادي، وكما قلت سابقاً، فإنه لا يستحيل بقاء قبيلة إلى ألاف السنين، حيث تظل القبيلة الأم محتفظة باسمها، وإن تغيّرت أسماء فروعها التي تتفرع منها.

والثاني: أن قبيلة ثمود التي حاربها الملك سرجون، وذكرت في كتب اليونان والنقوش الحجرية، ليس لها أي علاقة بقبيلة ثمود قوم نبي الله صالح عليه السلام، سوى تشابه اسم القبيلتين، فكثير من القبائل تحمل الأسماء نفسها، مع تباعدها زماناً ومكاناً، وهذا ما رجّحه بعض الباحثين.

والله أعلم.