سيرة إدريس عليه السلام.

قال تعالى في سورة مريم: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا)

وقال تعالى في سورة الأنبياء: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ)

ولم يرد عن إدريس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ما ورد في الآيات أعلاه، ولم يرد عن الله ولا عن رسوله، اسم قوم إدريس، أو الزمن الذي بعث فيه، ولا يعرف من أخباره شيء، سوى أنه كغيره من الأنبياء، بعثه الله إلى قومه، فدعاهم إلى الإسلام، وإلى التقيّد بشرائع الله تعالى، وناله من الجهد والنصب والأذى ما لحق غيره من الأنبياء، وصبر على ذلك كما صبر غيره من الأنبياء، عليهم السلام.

وإدريس مشتق من الدرس، وهو المحو، يقال: درست الشيء، أي: محوته. ويقال لكل قديم: دارس، أي: ماحي، ويقال للمتعلم: دارس. كأنه درس الجهل، أي: محاه. ويقال للترويض: دراسة، فكل ما رضته من دابة أو متاع، فهو دارس، أي: مروّض مذلل معبّد، كأنك درسته، أي: محوت عنه صعوبته. فمعنى إدريس: أي، الماحي.

واختلف في معنى قوله تعالى: (وَرَفَعۡنَـٰهُ مَكَانًا عَلِیًّا) هل المراد رفعة المكانة والمنزلة في الدنيا والأخرة، أم أراد بذلك أنه رفع بنفسه. 

وإذا كان رفع بنفسه، هل رفع بروحه وجسده، كما رفع عيسى عليه السلام، أم رفعت روحه فقط؟

فأما السؤال الأول: فالله أعلم أيّ ذاك أراد، قد يكون المراد بالآية رفعة المكانة، وقد يراد بها رفع المكان حقيقة.

وأما السؤال الثاني: فإن كان المراد رفع المكان، فالصواب، أن المراد هو رفع الروح دون الجسد، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قابل إدريس في السماء الرابعة، ولا يمكن القول بأنه رفع بجسده، ولا يقاس بعيسى، لأن عيسى عليه السلام، إنما رفع بروحه وجسده، لأنه سوف ينزل في أخر الزمان، ليكون علامة للساعة، وسوف يموت كما يموت أيّ بشري، ويدفن في الأرض، بينما إدريس لأي شيء يرفع بجسده؟! فهو لن ينزل في أخر الزمان كعيسى.