مصادر تلقي التاريخ الإسلامي

إن تاريخ بدء الخلق ونشأة الكون وسير الأنبياء وعلامات الساعة وأهوال يوم القيامة وصفات المخلوقات الغيبيّة، لا يمكن معرفتها إلا من خلال القرآن العظيم، والأحاديث، سواء كانت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو موقوفة على الصحابة، أو مقطوعة على التابعين، والتي تعرف اصطلاحا بالسُنّة.

فأما القرآن، فهو محفوظ بحفظ الله تعالى له، قال تعالى في سورة الحجر: (إِنَّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـافِظُونَ) ولذلك فهو نص قطعي الثبوت.

وأما السنة فلم يتكفل الله بحفظها، ففيها الصحيح والحسن والضعيف والضعيف جدا والشاذ والمنكر والموضوع، ولذلك حتى يتم قبولها واعتمادها كجزء من التاريخ الإسلامي يجب أن تتوفّر فيها أربعة شروط:

الأول: أن يكون إسنادها صحيحاً، بأن يكون جميع رجال سند الحديث ثقات.

والثاني: ألا يتعارض الحديث الصحيح، مع ما ورد في القرآن العظيم، فإن تعارض مع القرآن تعارضاً لا يمكننا معه الجمع بينهما، أسقط الحديث، وكان هذا كافياً في الحكم ببطلانه. 

والثالث: ألا يتعارض الحديث الموقوف مع الحديث المرفوع، وألا يتعارض الحديث المقطوع مع الحديث الموقوف، فإن تعارض الموقوف مع المرفوع، قدِّم المرفوع وكان هذا كافيا في الحكم ببطلان الحديث الموقوف، وإن تعارض الحديث المقطوع مع الحديث الموقوف، قدِّم الموقوف، وكان هذا كافيا في الحكم ببطلان الحديث المقطوع.

والرابع: ألا يتعارض الحديث الصحيح مع الأحاديث الصحيحة الأخرى من مرتبته، فلا يتعارض المرفوع مع المرفوع، ولا الموقوف مع الموقوف، ولا المقطوع مع المقطوع، فإن تعارض مع أحاديث صحيحة أخرى من مرتبته، قُدِّم الأقوى إسنادا ومتنا، فإن تساوت في قوة الإسناد والمتن، نظر في الحديث الذي تشهد له الأحاديث الأخرى، وإن كانت الأحاديث الأخرى التي تشهد له ضعيفة الإسناد، فقدِّم وأبطل الأخر.

وأما الأحاديث الحسنة والضعيفة ضعفا يسيرا، فلا يؤخذ منها إلا ما شهد القرآن والأحاديث الصحاح على صحة متنه، فإن كان فيه شيء من زيادات الرواة، هذّب من تلك الزيادات.

فالأحاديث على قسمين: مقبولة وغير مقبولة.

فالمقبولة: هي الأحاديث الصحيحة التي توفرت فيها الشروط الأربعة المذكورة، والأحاديث الحسنة والضعيفة ضعفاً يسيراً، التي شهد القرآن والأحاديث الصحيحة المقبولة على صحة متنه.

وأما الغير مقبولة: فهي الأحاديث الصحيحة التي لم تتوفر فيها الشروط الأربعة المذكورة، والأحاديث الحسنة والضعيفة ضعفاً يسيراً، التي لم يشهد القرآن والأحاديث الصحيحة المقبولة على صحة متونها، إضافة إلى الأحاديث الضعيفة جدّاً والموضوعة.

وأما ما ورد في تواريخ أهل الكتاب، فإنه لا ينبغي رواية شيء مما ورد فيها، ما لم يكن له شاهد، يشهد بصحته من كتاب الله والأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما لم يكن له شاهد من الوحيين، فالأسلم أن يجتنب، وذلك لكثرة ما حشي في كتب أهل الكتاب من الأكاذيب والخرافات والأساطير.

ولا تعتبر الأحاديث المروية عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين شاهداً على صحة ما ورد في كتب أهل الكتاب، لاحتمال أن يكون الصحابي أو التابعي، نقل روايته عمّن أسلم من أهل الكتاب، بل لا بد أن يكون هذا الشاهد إما من القرآن العظيم، أو من الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وكثير مما روي عن الصحابة والتابعين، في تاريخ بدء الخلق ونشأة الكون وسير الأنبياء هو في الحقيقة مأخوذ من كتب أهل الكتاب، مع أن أكثره لا يصح إسناده إلى الصحابة والتابعين، فكأنه من وضع القصّاص، لذلك يجب الحذر عند نقل ما روي عن الصحابة والتابعين في هذا الباب.

ومن عجيب ما رأيت وأنا أبحث في هذا التاريخ، أني وجدت القرآن العظيم، يصحح لنا التاريخ الإسلامي، فيما يخص بدء الخلق ونشأة الكون وسير الأنبياء، ويبين لنا ما زاده أهل الكتاب في كتبهم وما نقصوه، فهو ينفي ما زادوه ويكمل ما نقصوه، فجاء قصّاص المسلمين، فأعادوا هذا الغثاء إلى التاريخ الإسلامي! وقولبوه في صورة روايات ينسبونها إلى الصحابة والتابعين، ليعطوها الصبغة الشرعية، وتنال ثقة المتلقين!