خبر الذي حاج إبراهيم في ربّه

قال تعالى في سورة البقرة: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ) والخطاب هنا موجّه إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: (إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ) أي: يجادله في ربّه، وصفاته.

وقوله: (أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) أي: بعد أن أكرمه الله تعالى وأنعم عليه بالملك، وكان ملكاً من ملوك القرى، جبّاراً متكبراً عاتياً مغروراً.

وقوله:(قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) أي: أَقْتُل من شِئت، واَستَحيي من شئت، أي: أدعه حيّاً فلا أقتله.

ولم يذكر الله تبارك وتعالى ما حصل بعد ذلك بينهما، وهل تاب ذلك الملك أم لا، وهل أوقع به العقوبة أم لا.

ولا يدرى أين وقعت هذه المحاججة، ومن هو الملك الذي حاج إبراهيم في ربه، وهل وقعت المحاججة قبل هجرة إبراهيم من العراق أم بعدها، كل هذا لا أحد يعلمه، إلا الله تعالى.

وأما ما يزعمه القُصّاص من أن هذا الملك اسمه: نمرود، وأنه كان ملك بابل، فهذا من أوضاع قصّاص المسلمين، وذلك أن اليهود، ذكروا في تواريخهم أنه مَلَك على بابل، مَلِك يدعى نمرود، وأنه كان جبّاراً في الأرض، فنظر قصّاص المسلمين، فوجدوا أن هناك توافق بين صفة نمرود المذكور في كتب اليهود، وبين صفة الملك الذي حاج إبراهيم في ربّه، في التجبر والتكبُّر، فجعلوا نمرود هذا، هو الملك الذي حاج إبراهيم في ربّه، وهذا تلفيق بين الروايات لا أكثر،  ثم بدأوا في نسج الأخبار على هذا الظنّ.

فجميع الروايات التي رويت في خبر هذا الطاغية، قد ترجّح عندي، أنها من إفك القُصّاص ووضعهم، ولذلك أعرضت عن ذكرها هنا. 

وقد يقول قائلٌ: كيف أثبت إبراهيم لذلك الطاغية أن الله تعالى هو من يأتي بالشمس من المشرق؟

والجواب على ذلك: أن من البديهي عقلاً أن للشمس خالقاً ومحرّكاً، أوجدها بعد أن لم تكن موجوده، وحرّكها بعد أن لم تكن متحركة، وأجراها من المشرق إلى المغرب، فأخبره إبراهيم أن من قام بذلك هو ربّه، فلم يعترض ذلك الطاغية على ما قاله إبراهيم لدلالة العقل الصحيح والفطرة السليمة عليه، من وجود رَبٍّ، أوجد الشمس وحركها وأجراها من المشرق إلى المغرب، ولكنه زعم أنه يضاهي هذا الرب قوة وقدرة، عندئذٍ طلب منه إبراهيم، أن يثبت ما ادعاه من كونه ندّا للرب الذي خلق الشمس وأجراها من المشرق إلى المغرب، فلم يستطع ذلك الطاغية أن يفعل، فعندئذ بُهت الطاغية.

فإبراهيم عليه السلام، ليس في صدد إثباته نبوّته، أو تحديد اسم ووصف هذا الإله، بل في الرد على من أدعى أنه ندّ للرب الذي خلق الكون، فطالبه بإثبات ما يدعيه فقط.