قال تعالى في سورة النساء: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)
وفي هذه الآية، دليل على أن أيّوب نبيّ أوحي إليه.
وقال تعالى في سورة الأنبياء: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)
وقوله: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) كان قد أصابه ضُرٌّ أوجعه.
وقوله: (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ) أي: رجعناه إلى أهله، ووهبنا له مثلهم معهم.
وأهل الرجل زوجته، أي: أعاد إليه زوجته، وزوّجه بامرأة أخرى.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أيوب يغتسل عريانا، خرّ عليه رجل جراد من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه، فنادى ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى، يا رب، ولكن لا غنى بي عن بركتك".
رواه البخاري.
وفي وراية عند أحمد: "لما عافى الله أيوب عليه السلام أمطر عليه جرادًا من ذهب، فجعل يأخذ بيده ويجعل في ثوبه قال: فقيل له يا أيوب أما تشبع؟ قال: يا رب ومن يشبع من رحمتك".
وقال تعالى في سورة ص: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)
قوله: (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) أي: نال مني الشيطان بالتعب والعذاب، وهو الضُرّ الذي أصابه.
وقوله: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) أي: أن الله تعالى هيئ له عين ماء باردة، فأمره أن يغتسل منها ويشرب، حتى يذهب الضرّ الذي به، وهذا دليل على أن الضُرّ الذي أصابه، كان مرضاً ألمّ به.
وقوله: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ) أي: لا تحنث في يمينك، كأن نبي الله حلف أن يضرب شيئاً مائة سوط، ثم ندم على ذلك، فأمره الله تعالى أن يأخذ ضغثاً، والضغث هي عناقيد النخل، التي ينبت منها التمر، ويضرب بها من حلف أن يضربه بها، كي لا يحنث في يمينه.
عن قتادة بن دعامة قال: خذ عودا فيه تسعة وتسعون عودا، والأصل تمام المائة فضرب به امرأته، وذلك أن امرأته أرادها الشيطان على بعض الأمر، فقال لها: قولي لزوجك يقول كذا وكذا، فقالت له قل: كذا وكذا. فحلف حينئذ أن يضربها تلك الضربة، فكانت تحلة ليمينه، وتخفيفا عن امرأته.
رواه عبدالرزاق في تفسيره.
وعن عبد الرحمن بن جُبَير، قال: "لما ابتُلي نبيّ الله أيوب عليه السلام بماله وولده وجسده، وطُرح في مَزْبَلة، جعلت امرأته تخرج تكسب عليه ما تطعمه، فحسده الشيطان على ذلك، وكان يأتي أصحاب الخبز والشويّ الذين كانوا يتصدّقون عليها، فيقول: اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم، فإنها تعالج صاحبها وتلمسه بيدها، فالناس يتقذّرون طعامكم من أجل أنها تأتيكم وتغشاكم على ذلك؛ وكان يلقاها إذا خرجت كالمحزون لمَا لقي أيوب، فيقول: لَجَّ صاحبك، فأبى إلا ما أتى، فوالله لو تكلم بكلمة واحدة لكشف عنه كلّ ضرّ، ولرجع إليه ماله وولده، فتجيء، فتخبر أيوب، فيقول لها: لقيك عدوّ الله فلقنك هذا الكلام؛ ويلك، إنما مثلك كمثل المرأة الزانية إذا جاء صديقها بشيء قبلته وأدخلته، وإن لم يأتها بشيء طردته، وأغلقت بابها عنه! لما أعطانا الله المال والولد آمنا به، وإذا قبض الذي له منا نكفر به، ونبدّل فيره! إن أقامني الله من مرضي هذا لأجلدنَّك مئةً".
رواه الطبري.
وهذا خبر متنه لا بأس به، إلّا قوله: "وطُرح في مَزْبَلة" فهي من زيادات الرواة، وتأليفاتهم على الأخبار، ولأي شيء يُطرح في مزبلة، فأين منزله، وهب أن زوجته أخرجته من منزله خشية أن يعديها ويعدي أبناءه، أما كان في أرض الله الواسعة، ما يغنيها عن أن تلقيه في المزبلة!
وقد ذكر أهل الكتاب أيّوب في كتبهم، مع كثيرٍ من التحريف والكذب في خبره، حيث زعموا أنه لم يصبر، وأنه تضجر وجزع، وقد بيّن الله تعالى لنا كذبهم فيما أورد لنا من خبره، للرد عليهم، وبيان افترائهم على نبيه أيّوب عليه السلام.
وأيّوب اسم عربي، مشتق من الأوب، وهو العود والرجوع.