سيرة صالح عليه السلام

قال تعالى في سورة الأعراف: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)

قوله: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا) أي: أن صالحاً عليه السلام، كان نسيباً لثمود، وابن أبيهم، فليس بحليف لهم ولا مولى. وأما النسب المذكور في كتب التواريخ عن صالح وقبيلة ثمود، فهو نسب ملفّق موضوع.

وصالح اسم عربي، مشتق من الصلاح، وهو ضدّ الفساد.

وكذلك اسم قومه ثمود، اسم عربي، مشتق من الثمد، وهو القطع.

وقوله: (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ) أي: أن نبي الله صالح بعث بعد نبي الله هود عليه السلام، ولم يبيّن الله تبارك وتعالى ولا نبيّه صلى الله عليه وسلّم كم كان بينهما من الأزمان.

وقوله: (وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ) أي: أنزلكم ومكّن لكم في الأرض.

وقوله: (تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا) أي: تبنون القصور من الطين في سهولها، والسهل هنا المراد به الأرض المنبسطة.

وقوله: (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) أي: كانوا يصنعون تجاويف في الجبال، على هيئة الغّرَف، وكأنها كهوف أو مغارات، ويسكنون فيها.

وقوله: (الرَّجْفَةُ) أي: شيء عظيم، رجفت له أجسادهم وأرضهم.

وقال تعالى فيسورة هود: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ)

قوله: (قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا) أي: كنا نرجو فيك الخير والعقل والحكمة، حتى ادعيت النبوّة، ودعوتنا إلى ترك عبادة ما كان يعبد أسلافنا.

وقوله: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ) أي: أن الرجفة التي أخذتهم، كانت صيحة عظيمة، لم تحتملها أسماعهم وقلوبهم، فانفجرت لها أسماعهم، وانصدعت لها قلوبهم، فهلكوا.

وقال تعالى في سورة الحِجر: (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)

قوله: (أَصْحَابُ الحِجْرِ) أي: قبيلة ثمود، وكان مساكنهم بوادي القرى، والحِجْر، مدينتهم.

عن عبدالله بن عمر قال:مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين حذرا، أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم زجر فأسرع حتى خلفها.

رواه البخاري ومسلم.

وعن عبدالله بن عمر قال: أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر، أرض ثمود، فاستقوا من آبارها، وعجنوا به العجين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا، ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة. وفي رواية : فاستقوا من بئارها واعتجنوا به.

رواه البخاري ومسلم.

وقال تعالى في سورة الشعراء: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ)

قوله: (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ) أي: تنحتون الجبال بيوتاً لرفاهيتكم، أي: زيادة في تنعّمكم.

وقوله: (فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي: أنهم هم من بدأ بسؤال الآية، التي تدل على صدق ما ادعاه من النبوّة.

وقوله: (لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) أي: قسّم ماء البئر بينهم وبين الناقة، فيشربون يوماً لا ترد معهم فيه، وتشرب يوماً لا يردون معها فيه، وهذا من الابتلاء والامتحان.

وقال تعالى في سورة النمل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)

قوله: (فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ) أي: فريق آمن وفريق كفر، فهم يتخاصمون في شأن صالح ودعوته، هؤلاء يحاججون عن صالح ودعوته، وهؤلاء يطعنون فيه وفي دعوته.

وقوله: (قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) خطابٌ موجّه من صالح إلى الكفار من قومه، لمّا طالبوه أن يوقع بهم العذاب إن كان صادقاً، فقال لهم: لما تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة، أي: لماذا لم تسألوا الله الهداية بدل سؤالكم العقوبة!

وقوله: (اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ) أي: تشائمنا بك وبمن معك.

وقوله: (قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ) أي: شؤمكم عند الله، عندما يدخلكم النار.

وقوله: (بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) أي: تختبرون، والفتنة هي الاختبار، فمعنى الآية: بل أنتم قوم تختبرون، يختبركم ربكم إذ أرسلني إليكم، أتطيعونه، فتعملون بما أمركم به، فيجزيكم الجزيل من ثوابه؟ أم تعصونه بخلافه، فيحلّ بكم عقابه؟.

وقال تعالى في سورة فصلت: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) إلى قوله: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)

قوله: (فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ) أي: الصيحة، وهي الصاعقة التي صعقتهم، وهي الراجفة، التي رجفت بهم. 

والهون أي: المُهين.

وقال تعالى في سورة الذاريات: (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ)

وقال تعالى في سورة القمر: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)

قوله: (وَسُعُرٍ) أي: عناء وشقاء.

وقوله: (كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ) أي: يحضره من كانت نوبته، فإذا كان يومها حضرت شربها، وإذا كان يومهم حضروا شربهم. وحضر واحتضر بمعنى واحد.

وقوله: (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) والمُحتظِر، هو صانع الحظيرة، والحظيرة، هي سورٌ يُعمَل من الشجر، يؤتى بقطعٍ من الشجر لها أغصان وأوراق، فيوضع بعضها فوق بعض، ويعمل منها سور مستدير، تُجمع فيه الدواب، من غنم أو بقر أو إبل أو خيل أو حمير أو بغال، ليقيها البرد، أو ليمنعها من الذهاب. فعندما يقوم المُحتَظِر بصناعة الحظيرة، يتساقط شيء من عيدان الشجر وأوراقها، فتدوسه الدواب بأرجلها، فذاك هو هشيم المُحتظِر، أي: ما يسقط من المحتظِر، أثناء عمله في الحظيرة.

وقال تعالى في سورة الحاقة: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ)

قوله: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) والطاغية هي الصيحة التي رجفت بهم وصعقتهم، سمّيت طاغية، لأنها طغت عليهم، فأهلكتهم.

وقال تعالى في سورة النجم: (وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَىٰ) أي: لم يبقى من أولئك الكفّار بقيّة، ولم يبقى من ثمود، سوى صالح والمؤمنون معه، ومما لا شك فيه، أن هذه الطائفة المؤمنة من قبيلة ثمود، تناسلوا وتكاثروا، حتى صاروا قبيلة من الناس، ولكن حتى هؤلاء ما تعاقب الليل والنهار، حتى تلاشوا شيئاً فشيئاً ولحقوا بالأمم البائدة، فلم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم عين تطرف.

وقال تعالى في سورة الشمس: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا)

قوله: (إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا) أي: انطلق أشقى ثمود، وهو قاتل الناقة.

عن عبد الله بن زمعة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وذكر الناقة والذي عقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذ انبعث أشقاها، انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه، مثل أبي زمعة".

رواه البخاري.

وقصّاص العرب يسمونه: قُدَار بن سالف، وهو على الأرجح اسم مُختلق.

وقوله: (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) أي: لا تقربوا ناقة الله ولا يوم سقياها بسوء فيقع عليكم العذاب.

وقوله: (فَدَمْدَمَ) أي: أرجف.

وقوله: (فَسَوَّاهَا) أي: جعل بلدتهم مستوية، أي: معتدلة لا حراك ولا حياة فيها، بعد أن كانت مضطربة بالحركة والحياة.

وقوله: (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) أي: لا يخشى الله تعالى أحداً من خلقه، بسبب إيقاعه العقوبة بأحد من خلقه، ومن ذا الذي يجترئ على الله عز وجلّ!

وأما صالح عليه السلام والمؤمنون، فلم يرد في الآيات وما صح عن النبي من الأخبار، ما يفيد الموضع الذي استقر فيه بعد خروجهم من ديارهم، فكما قدمنا أن الله تبارك وتعالى، لا يأتي من قصص الأنبياء مع أقوامهم، إلا بما فيه عبرة وعظة.

وجميع الروايات التي رويت في خبر صالح عليه السلام وقومه، مما لم أذكره هنا، قد ترجّح عندي، أنها من إفك القُصّاص ووضعهم وزياداتهم، ولذلك أعرضت عن ذكرها.