سيرة لوط عليه السلام

 قال تعالى في سورة الأعراف: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)

قوله: (الْفَاحِشَةَ) هي إتيان الذكران.

وقوله: (مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ) دليل على أن أول من عمل هذا العمل القبيح هم قلوم لوط عليهم لعنة الله.

وقوله: (مُّسْرِفُونَ) أي: مسرفون في المعاصي، أي: مكثرون منها.

وقوله: (أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ) أي: إنما هَمّوا بذلك ولم يفعلوا.

وقوله: (مِنَ الْغَابِرِينَ) أي: من الهالكين، كونها كانت على ملة قومها، وراضية بما يفعلون.

وقوله: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا) أي: جاءهم العذاب كالمطر.

وقال تعالى في سورة هود: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)

قوله: (سِيءَ بِهِمْ) أي: استاء من قدومهم عليه.

وقوله: (وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا) ضرب الله مثلاً بالضيق الذي أصاب لوط بسبب قدوم الضيوف عليه، بضيق الذِرع، والمراد به هنا ذَرْع الثياب، حيث كانوا يقيسون الثياب بأذرعهم، فإذا نقص الذَرْع، كان الثوب ضيّقاً على لابسه، فضربت العرب به المثل، فيمن يضيق بأمر، فيقولون: ضاق به ذرعاً.

وقوله: ( يَوْمٌ عَصِيبٌ) أي: يوم شديد.

وقوله: (يُهْرَعُونَ) أي: يسيرون سيراً شديداً.

وقوله: (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) أي: لا نريد سوى أضيافك.

وقوله: (إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ) لعل المراد أنها لن تسير معهم، وسوف يصبحها العذاب مع قومها، وقد يكون المراد، أنها سوف تخرج مع زوجها وبانتها، وأنها سوف تلتفت فيقع العذاب عليها. وفي كتب اليهود، جاء ما نصُّه: "وَنَظَرَتِ امْرَاتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ" اهـ وهذا يعني أن اليهود يعتقدون أن زوجة لوط خرجت معه، فلما سمعت وقع العذاب التفتت، ورأت ما هالها وأذهلها، فصرخت، فمسخها الله عمود مِلح، ولكن هذه الرواية فيها نظر، والأرجح، أنه خرج من القرية وهي على فراشها، فصبّحها العذاب مع قومها، ورجمت بحجارة من سجين مسومة باسمها، والله وحده أعلم.

وقوله: (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) أي: أن العذاب سوف يقع عليهم في الصباح.

وقوله: (جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) أي: دمرها تدميراً وجعل أعلاها على أسفلها، وهو مثل، كما تقول العرب: "جعلنا عاليهم سافلهم" كناية عن تدمير أعدائهم وفتكهم بهم، وجعل عاليهم، وهم ساداتهم كبرائهم أسافلهم من الذل الذي وقع بهم والمهانة، وهدم دورهم وخيامهم، بحيث جعل عاليها، وهي  أسقفها تهبط إلى الأسفل إلى الأرض.

وأما ما يروى من أن جبريل اقتلع قراهم بطرف جناحه، ورفع أرضهم إلى السماء، حتى سمع ملائكة السماء الدنيا نباح كلابهم، ثم قلبها، فهذا من أوضاع القُصَّاص.

وقوله: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً) أي: أنزلنا عليهم حجارة، والواو هنا، واو عطف، وواو العطف، لا تدل على ترتيب بينهما ولا تعقيب، لذلك قَدَّم ذكر نكبة قوم لوط، بجعل عاليهم سافلهم، على ذكر إنزال الحجارة عليهم، مع أن جعل عاليهم سافلهم، لم يقع إلا بعد إنزال الحجارة.

وقوله: (سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ) أي: من حجر مخلوق من طين محمّى، شديد السخونة، وهذا شبيه بالحجارة التي تلقيها البراكين.

وقوله: (مُّسَوَّمَةً) أي: قد وسمت كل حجارة منها باسم صاحبها التي أُعِدّت له.

وقوله: (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) أي: ليست عن أن يقع مثلها بالظالمين الآخرين، ببعيد، أي: أن الله تعالى يهدد كل ظالمٍ بأنه قد يقع عليه ما وقع بقوم لوط.

وقال تعالى في سورة الحجر: (فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ)

قوله: (قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ) أي: أنه استنكرهم، ولعل ذلك، كان بعد أن لم يستطع قومه الوصول إليهم.

وقوله: (قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) أي: أنهم كشفوا عن حقيقة أمرهم، وأنهم ملائكة قدموا لعذاب قومه.

وقوله: (وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ) أي: أمر أن يكون خلف أهله، يتبع أدبارهم في آخرهم إذا مشوا.

وقوله: (وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ) أي: نهاه الملائكة عن أن يلتفت لوط أو أحد من أهله ورائهم، لينظروا ما يقع لقومهم من العذاب.

وقوله: (وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) أي: سيروا إلى حيث أمركم الله تعالى، إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام.

وقوله: (مُّصْبِحِينَ) أي: مع شروق الشمس صباحا.

وقوله: (وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) هذا وقع قبل أن يستنكرهم لوط، ويخبروه أنهم ملائكة، ولكن الله يقدم في الخبر ويؤخر، بحسب ما يرى سبحانه.

وقوله: (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ) أي: أنهم كانوا قد نهوه عن استقبال الضيوف في داره، وأنه إن فعل، فسوف يغتصبونهم.

وقوله: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) أي: أن الحجارة التي أمطرت عليهم، كان معها صيحة عظيمة، أرعبتهم.

وقوله: (مُشْرِقِينَ) أي: مع شروق الشمس.

وقوله: (لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ) أي: للمتمعّنين، إذا تمعّنوا في قرية قوم لوط، وما أصابها من الخراب.

وقوله: (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ) السبيل هو الطريق السالك، أي: أن قرية قوم لوط، على طريق من يريد الشام من أهل الحجاز، مقيمة أطلالها وخرائبها، لم تندثر بعد، وهذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما بعد ذلك، فقد اندثرت هذه القرية تماماً.

وقال تعالى في سورة الأنبياء، وهو يتحدث عن نبيّه إبراهيم: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)

أي: نجّى الله تعالى إبراهيم عليه السلام إلى صحراء النقب، وهي الأرض التي بارك فيها، ثم أمر لوطاً بالهجرة إلى إبراهيم، والإقامة معه، وذلك بعد أن وقع العذاب بقومه.

وقال تعالى في سورة الأنبياء: (وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)

وقال تعالى في سورة الشعراء: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ)

قوله: (أَخُوهُمْ لُوطٌ) أي: أنه منهم نسباً وابن أبيهم، فليس حليفاً لهم ولا مولى، وهذا يرد على ما زعمه رواة اليهود في كتبهم، من أن لوطاً كان ابن أخي إبراهيم عليه السلام.

وقوله: (الْقَالِينَ) أي: التاركين، المباعدين، وقَلَى، معناها: ترك وباعد.

وقوله: (أَجْمَعِينَ) أي: هو وبناته.

وقوله: (إِلاَّ عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ) أي: امرأته.

وقال تعالى في سورة النمل: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ)

قوله: (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) أي: أن بعض قوم لوط قال ذلك، ولكنهم لم يُجمِعوا على ذلك، ولم يخرجوهم.

وقال تعالى في سورة العنكبوت: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

قوله: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أي: آمن لوط بنبوّة إبراهيم عليه السلام، وما جاء به من الحق.

وقوله: (وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) الضمير يقال أنه عائد إلى إبراهيم عليه السلام، أي: أن الله تعالى أمره بالهجرة، أي: بالنُقْلة عن دار قومه، إلى دار يعبد الله فيها، وهو الراجح. وقيل عائد إلى لوط عليه السلام، أي: أن الله أمره بالهجرة من دار قومه إلى البلد التي أمر الله تعالى إبراهيم أن يهاجر إليها.

وقال تعالى في سورة العنكبوت: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)

قوله: (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) أي: تعترضون المسافرين وتنهبون ما معهم، وربما قتلوهم إذا حاولوا المقاومة.

وقوله: (نَادِيكُمُ) أي: أماكِنكم العامة، التي تجتمعون فيها، وكانوا يسمون المكان العام نادي، لأنهم كانوا إذا أرادوا أن يجمعوا قومهم لأمر، نادى فيهم المنادي أن يجتمعوا في ذلك المكان.

وقوله: (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) دليل على أن لوط هو من دعا على قومه، فاستجاب الله دعاءه.

وقوله: (رِجْزًا) أي: عذاباً.

وقوله: (وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً) أي: أن الناس كانوا يرون بقايا منازلهم، وأطلالها، وكون الناس كانوا يرون بقايا أطلال قرية قوم لوط، فهذا دليل واضح، على كذب الرواية التي جاء فيها أن الله تعالى أمر جبريل بأن يرفعهم بطرف جناحه، حتى سمع الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها رأساً على عقب، لأنه لو كان هذا كذلك، لم يكن الناس ليرون أطلال قربتهم المهدمة، وإنما تم تأليف هذه الرواية من بعض القصّاص، ليتأول بها قوله تعالى: (جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) فاختلق تلك القصة لتناسب ظاهر الآية.

وقال تعالى في سورة الصافات: (وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)

قوله: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ) هذا خطاب موجّه لقريش خاصّة، ومن يسلك طريقهم في أسفارهم إلى الشام، فيقول الله تعالى لهم: إنكم يا معشر قريش، تمرّون بقرية قوم لوط أحياناً في الصباح، وأحياناً في الليل.

وقال تعالى في سورة القمر: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ)

قوله: (حَاصِبًا) هي الحجارة المُحمَّاة.

وقوله: (نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ) أي: نجيناهم قبل الفجر، والسحر هو أخر الليل، قبل الفجر.

وقوله: (فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ) أي: أنهم لما أرادوا ضيفه بسوء، طمس الله على أعينهم، وقيل في طمس أعين قوم لوط روايتان:

الأولى: أن أحد الملائكة خرج عليهم وضربهم بالعمى، فرجعوا إلى بيوتهم وهم لا يبصرون، وهكذا ورد في كتب اليهود، حيث جاء ما نصّه: "فَأَلَحُّوا عَلَى الْرَّجُلِ لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا الْبَابَ، فَمَدَّ الرَّجُلاَنِ أَيْدِيَهُمَا وَأَدْخَلاَ لُوطًا إِلَيْهِمَا إِلَى الْبَيْتِ وَأَغْلَقَا الْبَابَ. وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ فَضَرَبَاهُمْ بِالْعَمَى، مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، فَعَجِزُوا عَنْ أَنْ يَجِدُوا الْبَابَ" اهـ

والثاني: أنهم غلبوا لوطاً، واقتحموا داره، ودخلوا إلى مجلسه، ولكنهم لم يرو شيئاً، مع أن الملائكة كانوا جلوساً، إلا أنهم لم يروهم.

عن عبدالله بن عباس قال: عمى الله عليهم الملائكة حين دخلوا على لوط.

رواه الطبري.

وعن الضحاك بن مزاحم قال: جاءت الملائكة في صور الرجال، وكذلك كانت تجيء، فرآهم قوم لوط حين دخلوا القرية. وقيل: إنهم نزلوا بلوط، فأقبلوا إليهم يريدونهم، فتلقَّاهم لوط يناشدهم الله أن لا يخزوه في ضيفه، فأبوا عليه وجاءوا ليدخلوا عليه، فقالت الرسل للوط خلّ بينهم وبين الدخول، فإنا رسل ربك، لن يصلوا إليك، فدخلوا البيت، وطمس الله على أبصارهم، فلم يروهم؛ وقالوا: قد رأيناهم حين دخلوا البيت، فأين ذهبوا؟ فلم يروهم ورجعوا.

رواه الطبري.

وأياً يكن ذلك، فإن لوط لما رأى ما فعل هؤلاء الملائكة، وهو يظنهم رجالا ًمن الإنس، استنكر أمرهم، لذلك قال لهم، كما ورد في سورة الحجر: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ)

وهذا يعني، أن الملائكة، لم تقل للوط: "إنّا رُسُل ربِك لن يصلوا إليك" وقع بعد أن اقتحم قوم نوحٍ الدار، ودخلوا إلى مجلسه، فلم يجدوا شيئاً وخرجوا، وهذا يدل على خطأ الضحَّاك رحمه الله عندما قال: "فقالت الرسل للوط خلّ بينهم وبين الدخول" لأنه لو قالوا له ذلك قبل أن يقتحم عليه قومه داره، لم يستنكر أمرهم، لأنهم قد أخبروه بأنهم ملائكة أرسلهم الله تعالى، ولكن إخبارهم له، بأنهم ملائكة، إنما وقع بعد أن أفصح لهم، عن استنكاره لأمرهم وشأنهم.

وقال تعالى في سورة التحريم: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)