نهر الكوثر وحوضه

عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحوض فقال: "كما بين المدينة وصنعاء".

وعن المستورد، أن النبي قال: "ترى فيه الآنية مثل الكواكب".

رواه البخاري ومسلم.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد، ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فقال: "إني فرطكم على الحوض، وإن عرضه لما بين أيلة إلى الجحفة".

رواه البخاري ومسلم.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حوضي مسيرة شهر".

رواة البخاري ومسلم.

وفي رواية عند مسلم: "حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك".

وقوله: "زواياه سواء" أي: أن عرضه كطوله .  

 ‌أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء".

رواه البخاري.

قوله: "كما بين أيلة وصنعاء" وهم من الراوي، فأكثر الرواة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كما بين أيلة والجحفة" وفي موضع أخر قال: "كما بين المدينة وصنعاء" والمسافة بين هذه المواضع متقاربة، فيظهر أن أحد الرواة سمع أن عرض الحوض كما بين أيلة والجحفة، أو كما بين المدينة وصنعاء، فاختلط عليهم الأمر فظن أنه سمع أن عرض الحوض كما بين أيلة وصنعاء.

وعن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أمامكم حوضا، ما بين ناحيتيه كما بين جربا وأذرح".

رواه البخاري ومسلم.

قوله: "بين جربا وأذرح" وهم من الراوي أيضا، لأن جربا وأذرح موضعان بالشام، قريب بعضها من بعض، وهو خلاف الأحاديث المتواترة معنا، والتي دلّت على أن عرض الحوض مسيرة شهر، تصريحا أو تلميحا، لأن المسافة بين المدينة وصنعاء قرابة مسيرة شهر، والمسافة بين أيلة والجحفة، قرابة مسيرة شهر.

وعن ‌عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم، ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". 

‌وعن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبدا".

و‌عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر".

قال البخاري: شط هدبة.

قلت: هدبة، أحد رواة الحديث، لا يدري هل سمعه طينه أو طيبه.

وعن أنس؛ قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة. ثم رفع رأسه متبسما. فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله! قال: "أنزلت علي آنفا سورة". فقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم. إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ثم قال: "أتدرون ما الكوثر؟" فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، و حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: رب! إنه من أمتي. فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك".

رواه مسلم.

وفي رواية عن أنس قال: "ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء".

رواه مسلم.

وفي رواية عن أنس بن مالك، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الكوثر؟ قال: "ذاك نهر أعطانيه الله - يعني في الجنة - أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فيها طير أعناقها كأعناق الجزر". قال عمر: إن هذه لناعمة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكلتها أنعم منها".

رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن.

وعند أحمد في مسنده، أن قائل: "إن هذه لناعمة" أبو بكر وليس عمر بن الخطّاب، ومثل هذه الأوهام، تقع عادة من الرواة، ولا يؤثر مثل ذلك في صحة الخبر.

وقوله: "الجُزُر" جمع جَزور، وهو البعير.

وعن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله! ما آنية الحوض؟ قال: "والذي نفس محمد بيده! لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، ألا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل".

رواه مسلم.

عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال "إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن، أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم". فسئل عن عرضه فقال: "من مقامي إلى عمان". وسئل عن شرابه فقال: "أشد بياضا من البن، وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب والآخر من ورق".

رواه مسلم.

قوله: "لأهل اليمن" أي: الأنصار، لأنهم من اليمن، فهم من الأزد من قحطان.

وقوله: "يرفض عليهم" أي: يرفضّ الناس عن الحوض حتى يخلو لأهل اليمن، فيردون، ويشربون.

وقوله: "يغتّ" أي: يصبّ.

قلت: فهذه الأخبار بمجموعها، تدل على أن الكوثر نهر أعطاه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأن هذا النهر، يمد له ميزابان أحدهما من ذهب والأخر من ورِِق، والورِق، هو الفِضَة، ويوضع له حوض في الأرض يوم القيامة، فيصب من ماء النهر في الحوض حتى يملأه، وتوضع فيه أواني من ذهب وفضّة، بعدد نجوم السماء كثرة، فيكون أول من يرد عليه هم الأنصار، ثم يرد الناس بعدهم.

وهذا الحوض، لا يعلم أحد متى يوضع على الأرض، وهل يوضع قبل الحساب أم بعده، ولكن قطعا أن هذا الحوض يوضع ويرد الناس عليه قبل أن يتساقط الكفار في النار، وقبل أن ينتقل المؤمنون إلى الظلمة ليصعدوا على الصراط، لأنه لا يتجاوز الصراط إلا ناجٍ، ولا يكون ناجٍ، إلا وقد شرب من ماء الحوض، وأما القنطرة فلا يصل إليها إلا ناجٍ، والخبر يفيد أن ممن يريد أن يرد الحوض ليشرب منه، قوم من الكفار وعصاة المسلمين، فيذادون عنه، ويطردون عنه، لأن الله قضى أن لا يغفر لهم، وأنه معذبهم، وبما أنه سوف يعذبهم، فلابد أنهم سوف يظمئون، وليس أحد يرد الحوض ويشرب منه إلا لم يظمأ أبدا، ولذلك قلت: بأن هذا الحوض يوضع في الأرض ويرد الناس عليه، قبل أن ينتقل المسلمون إلى الظلمة ليصعدوا على الجسر.

والله أعلم وأحكم.