صفة الجنّة

قال تعالى في سورة البقرة: (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

قوله: (جَنَّاتٍ) المراد بالجَنَّات هنا، الحدائق والبساتين.

وقوله: (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) أي: تسيل من تحتها المياه، في منظر بديع جميل، وهو شبيه بالأنهار التي تجري من تحت الغابات في الدنيا.

وقوله: (قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا) أي: يشبه أطعمة الدنيا في صورتها، فأهل الجنّة يقولون: هذه الأطعمة تشبه الذي كان الله تعالى يرزقنا إيّاه ونحن في الدنيا.

وفي هذا دليل على أن في الجنّة حدائق الفواكه والخضروات والأعشاب كالذي في الدنيا، إلّا أن طعمه أحلى وأشهى، ولا يعتريه تغيّر ولا فساد، بإذن الله.

وقوله: (وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أي: خلود أبدي لا موت فيه.

عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم: يا أهل النار لا موت، ويا أهل الجنة لا موت، كل خالد فيما هو فيه» .

وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقال لأهل الجنة: خلود ولا موت ولأهل النار خلود ولا موت» .

وعن ‌أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه. ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح. ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. ثم قرأ: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا، (وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).

رواه البخاري.

وقال تعالى في سورة آل عمران: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)

وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة. فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً".

رواه مسلم.

وقال تعالى في سورة النساء: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً)

قوله: (ظِلاًّ ظَلِيلاً) أي: ظل الأشجار والغُرّف والخِيام والقصب.

وقال تعالى في سورة النساء أيضا: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً)

قال تعالى في سورة الأعراف: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)

قوله: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ) أي: لا يحقد بعضهم على بعض، بما وقع بينهم من شحناء في الدنيا، فقلوبهم سليمة بعضهم على بعض.

وقوله: (عَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ) والأعراف هو عرف السور المضروب بين الجنّة والنّار، قال تعالى في سورة الحديد: (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) أي: باطنه الذي يلي الجنّة مظهره جميل يسرّ الناظرين، وظاهره مما يلي أهل النار، مظهره قبيح يسوء الناظرين. 

واختلف في هؤلاء الرجال الذين على الأعراف، فقيل: ملائكة، وقيل بل هم إنس وجن مسلمون، تساوت سيئاتهم وحسناتهم، فلم يدخلوا الجنّة ولم يدخلوا النار، فيجعلهم الله تعالى على الأعراف، يرون الجنّة ونعيمها فيتحسّرون، ويرون النار وجحيمها فيخافون ويرتعبون، عقوبة من الله تعالى على ما فرّطوا، والراجح أنهم رجال من الإنس والجن، لقوله: (وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) أي: أنهم كانوا يعرفونهم في الدنيا بأسمائهم وصورهم.

وقوله: (أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ) قال الربيع بْن أنس: كان رجال في النار قدْ أقْسموا بالله لا ينال أصْحاب الأعْراف من الله رحْمة، فأكْذبهم الله فكانوا آخر أهْل الجنة دخولاً فيما سمعْناه عنْ أصْحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

روابه ابن أبي حاتم.

وقوله: "فكانوا آخر أهل الجنّة دخولاً" له تأويلان:

الأول: أن المراد بذلك، أي: قبل الشفاعة لمن سقط في النار من أهل الكبائر، فإنه إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، ودخل أهل النار النار، سواء من عصاة المسلمين أو الكفّار، يمكثون ما شاء الله أن يمكثوا على الأعراف، ثم يدخلهم الجنّة، فيكونون أخر من يدخل الجنّة من أهل الجنّة بعد الحساب.

والثاني: أنهم لا يدخلون الجنّة، إلا بعد أخر من يدخلها من أهل النار، فيكون الحديث الذي ورد فيه أن أخر من يدخل الجنّة من العصاة الذين دخلوا النار، إنما يراد به من خرج من النار وأدخل الجنّة من العصاة الذين دخلوا النار.

والله أعلم.

وقال تعالى في سورة التوبة: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

وقال تعالى في سورة يونس: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

وقال تعالى في سورة يونس: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

قوله: (وَزِيَادَةٌ) عن صهيب، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: وما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم».

رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم.

وقال تعالى في سورة هود: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ)

قوله: (مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) قال عبدالرحمن بن زيد: ما دامت الأرض أرضًا، والسماءُ سماءً. 

رواه الطبري.

قلت: أي: أن الأرض لو تركها الله تعالى إلى الأبد، لكانت أرضاً إلى الأبد، فلن تستحيل إلى مخلوق أخر، وأن السماوات لو تركها الله تعالى إلى الأبد، لكانت سماء إلى الأبد، فلن تستحيل إلى مخلوق أخر، فجعل الله ذلك منها معياراً للدلالة على خلود أهل الجنّة في الجنّة، والله أعلم.

ويدل على ذلك، قوله تعالى بعد ذلك: (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي: غير مقطوع، والجذّ هو القطع.

وقال تعالى في سورة الرعد: (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)

وقال تعالى في سورة إبراهيم: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ)

قوله: (خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي: أي: أذن الله تعالى لهم بالخلود، فلا يموتون أبدا، لأنه لا يقع شيء في ملك الله تعالى إلّا بإذنه.

وقال تعالى في سورة الحجر: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ)

قوله: (إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) أي: جالسون على أسرتهم، متقابلين، يحدّث بعضهم بعضاً، فيما يشاؤون من حديث.

وقال تعالى في سورة الكهف: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا)

وقال تعالى في سورة الكهف أيضا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا)

وقال تعالى في سورة مريم: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاَّ سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا)

وقال تعالى في سورة الحج: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)

قال تعالى في سورة الفرقان: (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولا)

وقال تعالى في سورة العنكبوت: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)

قوله: (غُرَفَاً) أي: القصور.

وقال تعالى في سورة فاطر: (ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)

قوله: (ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) أي: المسلمين.

وقوله: (ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ) أي: عصاة المسلمين، الذين يرتكبون ما حرم الله، ويدعون شيئاً مما افترضه الله تعالى، ولكنهم لا يتركون التوحيد والصلاة، لأن من تركهما كفر، ولم يعد من المسلمين.

وقوله: (مُّقْتَصِدٌ) أي: مقلّ من أعمال الخير، وليس من العصاة.

وقوله: (سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) أي: مكثرٌ من أعمال الخير، وليس من العصاة.

وقال تعالى في سورة يس: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ)

قوله: (مُتَّكِؤُونَ) أي: متكؤون على أرائكهم.

وقوله: (مَّا يَدَّعُونَ) أي: ما يتمنّون.

وقال تعالى في سورة الصافات: (إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ)

قوله: (سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) أي: متقابلين على أسرتهم، والأسرة هنا، هي الكراسي الوثيرة، التي أعدّت للجلوس.

وقوله: (مِن مَّعِينٍ) أي: أن شرابها مأخوذ من عيون الجنّة.

وقوله: (بَيْضَاء) أي: أن صفة الكأس أنها بيضاء، مع أنها من ذهب أو فضة، ولكن من صفائها وكأنها بيضاء.

وقوله: (لا فِيهَا غَوْلٌ) أي: لا تغتال عقولهم، بسكر ونحوه.

وقوله: (وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) أي: لا توجعهم بطونهم منها فيتقيئونها، كما تفعل خمر الدنيا.

وقوله: (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) أي: قصُرَت أطرافهن، أي: أنظارهن على أزواجهن.

وقوله: (عِينٌ) أي: واسعات الأعين.

وقوله: (بَيْضٌ مَّكْنُونٌ) أي: مستور، محفوظ.

وقوله: (قَرِينٌ) أي: صاحب، وقد يراد به هنا صديق السوء، وقد يراد به قرين الشيطان.

وقوله: (لَمَدِينُونَ) أي: محاسبون.

وقوله: (الْمُحْضَرِينَ) أي: محضرٌ للعذاب.

وقال تعالى في سورة ص: (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ)

قوله: (مَآبٍ) أي: مرجع ومآل ومصير.

وقوله: (أَتْرَابٌ) أي: متساويات في السِنّ والجمال.

وقوله: (مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ) أي: ليس له انقطاع.

وقال تعالى في سورة الزمر: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثْنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)

قوله: (زُمَرًا) أي: جماعات، والزُمرة هي الجماعة.

وقوله: (وَأَوْرَثْنَا الأَرْضَ) أي: أرض الجنّة.

وقال تعالى في سورة الزمر: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ)

قوله: (غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ) أي: قصور، غرفها أدوار، بعضها فوق بعض، شبيهة بقصور الدنيا.

وقوله: (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) أي: تجري من أمام هذه القصور، في منظر بديع.

وقال تعالى في سورة الزخرف: (الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ)

وقال تعالى في سورة الدخان: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

قوله: (سُنْدُس) أي: الحرير الرقيق.

وقوله: (إِسْتَبْرَق) أي: الحرير الغليظ.

أي: أنهم يلبسون هذا أحياناً وهذا أحياناً، وقد يكون الثوب الواحد مصنوعاً من النوعين، الرقيق والغليظ.

والحرير، ثياب تنسج من خيوط تنتجها دودة تعرف بدودة القزّ، خيوطها رقيقة وناعمة جدّاً، ولا تتمزّق بسهولة، حتى أنه يطعن فيها بالسيف فلا تتمزّق.

وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا؛ فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

رواه البخاري ومسلم.

قوله: "لا تلبسوا الحرير" أي: لا تلبسوا لباساً صنع من خيوط الحرير.

وقوله: "ولا الديباج" الديباج هو كل نسيج نُسِج من حرير خالص.

وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير، فجعلنا نلمسه ونتعجب منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من هذا؟ قلنا: نعم، قال: مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا.

رواه البخاري ومسلم.

وقال تعالى في سورة محمد: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ)

وعن حكيم بن معاوية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: "إن في الجنة بحر العسل، وبحر الخمر، وبحر اللبن، وبحر الماء، ثم تنشق الأنهار بعد".

رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وقوله: "بحر" أي: نهر، فالعرب تسمي النهر بحراً، بدلالة قوله في أخر الحديث: "ثم تنشق الأنهار بعدُ".

قلت: وأنهار الجنّة تنبع من الفردوس الأعلى، كما جاء في حديث أبي هريرة: "فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تُفجَّر أنهار الجنة".

رواه البخاري.

ولعل هذا من النعم التي أُختُصّ بها أهل الفردوس الأعلى، أنهم يستطيعون رؤية منابع أنهار الجنّة.

وقال تعالى في سورة الطور: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لّا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)

وقال تعالى في سورة النجم: (عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)

وقال تعالى في سورة القمر: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)

وقال تعالى في سورة الرحمن: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)

قوله: (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) أي: ذوات ألوان وأشكال مختلفة، والأفنان مفرده: فن، وهو اللون والشكل المختلف.

وقوله: (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ) أي: أن عيون هاتين الجنّتين، تجري جرياناً.

وقوله: (زَوْجَانِ) أي: نوعان.

وقوله: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) أي: لم يجامعهن ويفتضّهنّ إنس ولا جان.

وقوله: (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) أي: دون الجنتين الأوليين، وقد يراد بقوله: (دُونِهِمَا) أي: أقرب منهما، وقد يراد به: أقلّ منهما في الحُسن.

وقوله: (مُدْهَامَّتَانِ) أي: شديدة الخُضرَة من الرِيّ.

وقوله: (نَضَّاخَتَانِ) أي: تنضخ بالماء نضخاً، فهي لا تجري كعيون الجنتين الأوليين، والنضخ والنضح واحد.

وقوله: (مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) أي: أنهنّ قُصِرْن على أزواجهنّ، فلا يبغين بهم بدلا ولا يرفعن أطرافهن إلى غيرهم من الرجال.

وقوله: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) أي: لم يفتضّهن قبلهم أحد من رجال الإنس أو الجنّ، فهنّ أبكار، لا يفتضهن إلّا أزواجهنّ.

وعن أبي موسى الأشعري قال: قال : "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما".

رواه البخاري ومسلم.

قلت: ولا أعلم ما معنى هذه الجنان الأربع، في الآيات والحديث، فقد يراد بها، أن لكل مسلم في الجنّة أربع جنان، وقد يراد بها أن الجنّة مقسمة إلى أربع درجات رئيسيّة، فذكر الله في سورة الرحمن، الجنتين العلويّتين، وشيءٍ من وصفها، ثم ذكر الجنتين السفليّتين، وشيءٍ من وصفها.

قلت: فإن كان هذا هو المراد، فهذا يعني أن الجنة أربع درجات رئيسية، وكل درجة مقسمة إلى خمس وعشرين درجة، فهذه مائة درجة، كما ورد في حديث أبي هريرة، وبهذا نجمع بين الحديثين، ويتبين لنا معناهما.

والله أعلم وأحكم.

وقال تعالى في سورة الواقعة: (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلاَّ قِيلا سَلامًا سَلامًا وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاء مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لّا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ)

قلت: وهنا يميّز الله تبارك وتعالى بين أصحاب اليمين والسابقون، ويفاضل بينهم في العطايا.

فقوله: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) أي: المقتصدين في الأعمال الصالحة، وقد يقعون في الخطايا والآثام.

وقوله: (وَالسَّابِقُونَ) أي: المكثرين من الأعمال الصالحة، المكثرين للتوبة والاستغفار.

وقوله: (السَّابِقُونَ) أي: تأكيد على شرفهم وعظيم منزلتهم ومدحٌ لهم.

وقوله: ( أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) أي: الذين قرّبهم الله تعالى، ورفع منزلتهم في الجنّة.

وقوله: (ثُلَّةٌ) أي: الجماعة. كأنهم أكثر من القليل.

وقوله: (مِّنَ الأَوَّلِينَ) أي: الذين آزروا الأنبياء وجاهدوا معهم، وخلفوهم بخير، وعلى أيديهم انتشر الإسلام.

وقوله: (وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ) أي: من الذين جاءوا بعد الثُلّة، ممن تمسك بكتاب الله وسنة رسول الله، واجتهد في طاعة الله تعالى.

وقوله: (سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ) أي: سرر منسوج عليها الأقمشة المحشوّة بناعم الحشو.

وقوله: (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ) أي: جالسون على هذه السُرُر، وهذا يدل على أن هذه السُرر، عبارة عن كراسي وثيرة، يقابل بعضهم بعضاً للحديث.

وقوله: (وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ) أي: خمر من عين في الجنّة.

وقوله: (لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا) أي: لا يصيبهم الصداع الذي يصيب شار بالخمر في الدنيا.

وقوله: (وَلا يُنزِفُونَ) أي: لا تذهب عقولهم من السُكْر، كما تفعل خمر الدنيا.

وقوله: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا) اللغو من القول، هو الكلام الباطل، والتأثيم، هو القول الذي يعود على صاحبه بالإثم.

وقوله: (سِدْرٍ مَّخْضُودٍ) أي: قد خُضِد شوكه، أي: قطع، فلا شوك له.

وقوله: (وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ) والطلح هو الشجر ذو الظِلال الوافرة، ومنضود، أي: جمع بعضه إلى بعض، لأن النضد، هو الجمع.

وقوله: (وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ) أي: في ظلّ دائم ليس هناك شمس فتذهبه، وكل ما لا انقطاع له فإنه ممدود

وقوله: (وَمَاء مَّسْكُوبٍ) أي: سائل.

وقوله: (لّا مَقْطُوعَةٍ) أي: لن ينقطع هذا النعيم أبداً.

وقوله: (وَلا مَمْنُوعَةٍ) أي: لا يمنع عنها أحد من أهل الجنّة، فهي حلال لهم من الله تعالى.

وقوله: (وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ) أي: مرتفعة عن أرض الجنّة.

وقوله: (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء) أي: الحور العين، ومعناه: أنشاهن في خلق حسن، وقال: (إِنْشَاء) للتوكيد.

وقوله: (فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا) أي: لم يفتضهن أحد من قبل.

وقوله: (عُرُبًا أَتْرَابًا) العُرُب، جمع عَرُوب، وهي المتغنجات المتحببات لأزواجهن. وأترابا، جمع تريبة، وتَرِبَة، وهن المتساويات في الأعمار والجمال.

وقال تعالى في سورة الحاقة: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)

قوله: (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) أي: ثمارها قريبة في متناول يد من يريدها.

وقال تعالى في سورة المدّثر: (إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ)

قوله: (إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ) المراد بأصحاب اليمين هنا، جميع أهل الجنّة، السابقون ومن دونهم.

وقوله: (يَتَسَاءَلُونَ) أي: أن هذا من حديث أهل الجنّة الذي يتحدثون به، وهو تساؤلهم عن أهل النار، وسبب دخولهم فيها.

وقال تعالى في سورة الإنسان: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا)

قوله: (كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) أي: خمر ممزوجة بالكافور.

وقوله: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا) أي: تأتي هذه الخمر الممزوجة بالكافور، من عين في الجنّة.

وقوله: (يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) أي: يسيلون ويجرون ماءها حيث شاءوا.

وقوله: (شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) أي: شرّه ممتد، والمستطير، أي: الممتد.

وقوله: (قَمْطَرِيرًا) أي: الشديد والعصيب.

وقوله: (شَمْسًا) أي: ليس في الجنّة حرٌّ، لأنه ليس فيها شمس.

وقوله: (زَمْهَرِيرًا) أي: وليس فيها برد، والزمهرير هو البرد.

وقوله: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا) أي: أن ظِلالها وافرة، دانية منهم، أي: قريبة منهم.

وقوله: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) أي: أن قطوفها، وهي ثمارها، مذلّلتٌ لهم، لدنوها منهم، وقربها منهم، فهم يقطفون منها، وقال: (تذليلا) للتوكيد.

وقوله: (كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا) أي: خمر ممزوجة بالزنجبيل، وهي غير الخمر الممزوجة بالكافور.

وقوله: (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) أي: تؤخذ هذه الخمر الممزوجة بالزنجبيل، من عين في الجنّة، تسمّى سلسبيل.

وقوله: (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ) أي: يلبسون أساور خلقت من الفضّة.

وقال تعالى في سورة النبأ: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا وَكَأْسًا دِهَاقًا لّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا)

قوله: (وَكَوَاعِبَ) الكاعب هي الناهد، التي لم ينكسر ثديها، فهي مزبورة النهدين.

وقوله: (دِهَاقًا) أي: لا تنقطع هذه الخمر.

وقال تعالى في سورة المطففين: (كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)

قوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ) أي: أن أسماء أهل الجنّة مكتوب في كتاب فوق السماء السابعة.

وقوله: (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) أي: ملائكة السماء السابعة.

وقوله: (رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ) أي: خمر مختوم بالمسك، أي: أن المسك في أخر الكأس.

وقوله: (وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) أي: أن هذا الرحيق ممزوج بشراب من عين تسمّى: تسنيم. وقد يراد بالمقربين هنا: السابقون. وقد يراد به كل أهل الجنة. والله أعلم.

وقال تعالى في سورة الغاشية: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لّا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)

قوله: (لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) أي: بسبب سعيها في كسب مرضات الله تعالى، أرضاها الله.

وقوله: (جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) أي: علو مكان ومكانة، فهي عالية، فوق السماوات السبع.

وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله, ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة".

رواه البخاري.

قوله: "في الجنة مائة درجة" أي: أن الجنة مائة درجة، بعضها أدنى من بعض، ومتفاضلة في النعيم.

وقوله: "للمجاهدين في سبيله" أي: الذين يجاهدون أنفسهم في طاعة ربهم.

وقوله: "كما بين السماء والأرض" أي: أن بين كل درجة ودرجة مفازة عرضها كما بين السماء والأرض، لا يستطيع من في الدرجة الأدنى تجاوزها، ولا يدرى كم بين السماء والأرض إلّا الله تعالى.

وقوله: "فإنه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة" أي: أن الجنةّ محدّبة السطح، فهي كروية تامة الاستدارة، أو نصف كرة، جزئها الأوسط إلى الأعلى، وأن الفردوس هو أعلى درجة فيها.

وقوله: "فوقه عرش الرحمن" أي: أن الحضرة الإلهيّة المعظّمة، البحر والدار والعرش، فوق الفردوس الأعلى، ليس فوق الفردوس شيء غير ذلك، وإنما أكتفى في الحديث بالإشارة إلى العرش، لاستغنائه بذكره، عن ذكر البحر والدار، والله أعلم.

وعن سهل بن سعد قال: شَهدت من النبي صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَا وَصَفَ فيه الجَنَّة حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه: "فيها ما لا عَيْنٌ رأَت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَر على قَلب بَشَر" ثم قرأ:(تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) [السجدة] إلى قوله تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة]

رواه مسلم.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أَعْدَدْتُ لعِبَادي الصَّالحين ما لا عَيْنٌ رأَت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَر على قَلب بَشَر". واقْرَؤُوا إن شِئْتُمْ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة].

رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغائر من الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم". قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين".

رواه البخاري ومسلم.

وذلك أن كل درجة أرفع من الأخرى، فيتراءون أهل الدرجات الدنيا، أهل الدرجات العليا.

عن المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن موسى عليه السلام سأل ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ فقال: رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب. فيقول: لك ذلك، ومثله، ومثله، ومثله. فقال في الخامسة: رضيت رب. قال: رب فأعلاهم منزلة. قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر".

رواه مسلم.

وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، أو: كما بين مكة وبصرى".

وأما ما روي من أن ما بين المصراعين مسيرة أربعين سنة، فلا يصح مرفوعاً، والأرجح أنه من قول عبدالله بن سلام، فيما نقله من كتب أهل الكتاب، من وضع قصاصهم وتهويلاتهم، فوهم الرواة في رفعه، ورواه عنه عتبة بن غزوان في الحديث المروي عنه.

وعن ‌سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون".

رواه البخاري.

وعن أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب: أي فل هلم. قال أبو بكر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك الذي لا توى عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو أن تكون منهم".

رواه البخاري.

قوله: "أي فُلّ" معناه: يا فلان، وقوله: أي فُلّ، اختصار للكلمة.

وقوله: "لا توى عليه" أي: لا بأس عليه.

وعن عمر بن الخطاب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء".

رواه مسلم.

فكل هذه الروايات تفيد أن أبواب الجنة ثمانية.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفس محمد بيده، أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى".

أخرجه البخاري ومسلم.

وفي رواية عند البخاري: "لكما بين مكّة وحمير" ويظهر أنه وهم من الراوي، أو تصحيف من الكاتب، وصوابه: هَجَر.

وقوله: "هَجَر" هي منطقة الأحساء وما يليها من البحر، وكانت تعرف أيضاً: بالبحرين.

والمسافة بين مكة وهجر، أو مكة وبصرى، متقاربة، وهي قريب من سبعمائة ميل.

وعن أبي رَزين العقيلي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإن للجنة ثمانية أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما".

قلت: هذا بعد ما بين الباب والباب.

وحديث العُقيلي، حديث ضعيف.

وقوله: "يسير الراكب بينهما سبعين عاماً" والراكب هنا، يراد به راكب الإبل، لأنها مراكب العرب، وراكب الإبل يقطع في اليوم قرابة ستين ميلاً، فإذا ضربنا هذا العدد في ثلاثين يوما، وهو عدد أيام الشهر، ثم ضربنا الناتج في اثنى عشرة شهراً، وهو عدد شهور السنة، ثم ضربنا الناتج في سبعين عاماً، الواردة في الحديث، كانت الناتج قرابة ألف ألف وخمسمائة ألف ميل، فهذا بعد ما بين باب وباب من أبواب الجنّة، هذا إن صحّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك.

فإن قال قائلٌ: إذا كانت أبواب الجنة بهذا العُرض الهائل، ومتباعدة كلّ هذه المسافات الطويلة، فكيف يراها المؤمنون مجتمعة، وكأنها متقاربة، ويرون الملائكة تنادي عليهمن للدخول من تلك الأبواب؟

والجواب: الظاهر، أن الله تعالى يعطيهم قوة في الأسماع وقوة في الأبصار، يرون من خلالها جميع أبواب الجنَّة، وتنادي عليهم الملائكة، ويقطعون تلك المسافات الهائلة، وكأنها سافات قصيرة. والله أعلم.

وعن أبي سعيد الخدري، أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم  عن تربة الجنة؟ فقال "درمكة بيضاء، مسك خالص".

رواه مسلم.

وفي رواية عند مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من سأل ابن صائد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما تربة الجنة؟ قال: درمكة بيضاء مسك يا أبا القاسم! قال: صدقت.

فإن كانت هذه الرواية هي الصحيحة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو من سأل ابن صائد، فإنما وقع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم لابن صائد، من باب الامتحان، ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم هل لديه علم من كتبهم أم لا، ويكون هذا مما ذكر في كتب اليهود، ووافق الحق الذي عند النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "صدقت" وكان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يعجبهم أن يكون ما عندهم من الحق موافق لما عند أهل الكتاب، فيكون حجة على أهل الكتاب.

وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال في خبر المعراج: "ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها حبايل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك".

رواه البخاري.

وفي رواية مسلم: "جنابذ" بدلا من "حبايل" وهذا كما يظهر خطأ من النسّاخ وليس من الرواة، ولكن لا أحد يدري أي الكلمتين هي الصحيحة.

فإن كانت حبائل، فهي جمع حبالة، والعرب تقول للكثيب المستطيل من الرمل: حبالة، وعلى هذا فيكون معنى حبائل اللؤلؤ، أي: وهي مرتفعة من اللؤلؤ، كحِبال الرمل.

وإن كان الصواب: جنابذ اللؤلؤ، فهي جمع جنبذة، بضم الجيم المعجمة، ومعناها: قبّة، فيكون معنى الحديث: قباب اللؤلؤ.

قلت: وهذا يدل على أن تربة الجنّة بيضاء، ناصحة البياض، وليست عفراء كتربة الأرض، وفي ساحل عُمان، رمال بيضاء، شبيهةٌ برمال الجنّة.

وعن عبدالله بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ثلاثون ميلاً، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون".

رواه البخاري.

وفي رواية أخرى عند البخاري: "ستون ميلاً".

ورواه مسلم، عن عبدالله بن قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلا، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضاً".

وفي رواية أخرى عند مسلم: "في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل، ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن".

قلت: فتبين من خلال الأحاديث أن طول الخيمة في السماء ثلاثون ميلا وعرضها ستون ميلا.

والشاهد من الأحاديث، أن للمؤمنين خيام في الجنّة، طولها في السماء ثلاثون ميلاً، وعرضها ستون ميلاً، وأنه لبعد المسافة بين أركانها، لا يرى الحور العين والجواري بعضهم بعضاً فيها.

وعن أبي هريرة، قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب".

رواه البخاري ومسلم.

والشاهد من الحديث أن في الجنة بيوت من قصب.

عن أبي هريرة وسهل بن سعد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها".

رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية عن أبي سعيد الخدري قال: "الراكب الجواد المضمر السريع".

رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي مسعود الأنصاري، قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة".

رواه مسلم.

والشاهد من الحديث، أن في الجنّة مراكب الإبل.

عن ‌عبد الله بن عمرو: عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما".

رواه البخاري.

والشاهد من الحديث، أن للجنّة ريحاً طيّبة، توجد من مسيرة أربعين سنة، ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم، أيّ مسير هو، للراجل أم الراكب، وإلا لستطعت أن أقدر هذه المسافة.

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد. فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك".

رواه مسلم.

فدلّ هذا الحديث، على أن النبي صلى الله عليه وسلم، هو أوّل من يلج الجنّة.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة".

رواه مسلم.

فدل الحديث، على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هم أول الأمم دخولاً للجنة.

فيدخل فقراء أمة محمد قبل فقراء الأمم الأخرى، ويدخل أغنيائهم قبل أغنياء الأمم الأخرى.

وعن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها".

رواه البخاري.

فدل هذا الحديث على عظمة الجنّة.

وعن ‌أبي هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة - الأنجوج عود الطيب - وأزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء".

رواه البخاري ومسلم.

قوله: "على صورة القمر" أي: في وضاءته وجماله، وهؤلاء هم السابقون.

وقوله: "على أشد كوكب دُرّيِّ في السماء" أي: في وضاءته وجماله، وهؤلاء هم أهل اليمين.

وقوله: "ورشحهم المسك" أي: العرق الذي يسيل منهم، رائحته كرائحة المسك.

وقوله: "الأنجوج عود الطيب" يظهر أنها مدرجة من أحد الرواة، كبيان لمعنى الألوّة.

وقوله: "على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم" أي: أن جميع أهل الجنّة على صورة أبيهم آدم، لأنه أُعطي أحسن صورة أعطيها بشر.

وقوله: "ستون ذراعاً في السماء" أي: طولهم في الجنّة، ستون ذراعاً، بأقيسة أهل الدنيا.

وفي رواية زاد: "قلوبهم على قلب رجل واحد لا تباغض بينهم ولا تحاسد لكل امرئ زوجتان من الحور العين يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم".

وفي رواية زاد: "يسبحون الله بكرة وعشيا".

وكلها روايات صحيحة، وقد قدمنا أن ذلك يقع بسبب نسيان الرواة، فيكمل بعض الرواة ما أسقطه الراوي الأخر.

وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون". قالوا: فما بال الطعام؟ قال "جشاء ورشح كرشح المسك. يلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النفس".

رواه مسلم.

قوله: "جُشاء" والجشاء هو الصوت الذي يخرج من الفم.

وقوله: "ورشح" أي: عَرَق يفيض من البدن.

وعن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً أو سبعمائة ألف لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر".

رواه البخاري.

قلت: وهؤلاء هم السابقون.

وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: "ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا". فذلك قوله عز وجل: ( وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

رواه مسلم.

عن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة".

رواه مسلم.

وعن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".

رواه البخاري.

عن أبي سعيد الخدري  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده، كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلاً لأهل الجنة". فأتى رجل من اليهود، فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: بلى. قال: تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال إدامهم بالام ونون. قالوا: وما هذا؟ قال: ثور ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً".

رواه البخاري ومسلم.

وفي صحيح البخاري، أن عبدالله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم أول قدومه المدينة أسئلة منها: "ما أول شيء يأكله أهل الجنة؟ فقال: زيادة كبد الحوت".

وعن ثوبان أن يهودياً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد الحوت. قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها. قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين تسمى سلسبيلا. قال: صدقت".

رواه مسلم.

وعن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه".

رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.

وعن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً, فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم حسناً وجمالا".

رواه مسلم.

وعن صهيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، قالوا: ألم يبيض وجوهنا؟ ألم ينجنا من النار؟! ألم يدخلنا الجنة؟! قالوا: بلى، فيكشف الحجاب، فوالله ما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه".

رواه الترمذي.

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث، وعنده رجل من أهل البادية: "إن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكن أحب الزرع، فبذر، فبادر الطرف نباته. واستواؤه، واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله تعالى: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء". فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشياً أو أنصارياً، فإنهم أصحاب الزرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم".

رواه البخاري.

وعن ميمون بن مهران قال: خطب معاوية بن أبي سفيان أم الدرداء، فأبت أن تتزوجه، وقالت: سمعت أن أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرأة في آخر أزواجها، أو قال: لآخر أزواجها". 

رواه الطبراني في الأوسط.

وعن عبدالله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط، إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان. وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنّه".

رواه الطبراني في الأوسط.

وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا من الجماع". قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يطيق ذلك؟ قال: "يعطى قوة مائة رجل".

رواه الترمذي وقال: صحيح غريب.