حديث الإسراء والمعراج

هذا بحث في الإسراء والمعراج، ونريد أن نصل من خلال هذا البحث، إلى الزمن الذي وقع فيه الإسراء والمعراج، وهل وقع الإسراء والمعراج في ليلة واحدة أم في ليلتين مختلفتين؟ وهل أسري بالنبي بروحه فقط أم ببدنه؟ وهل صعد النبي صلى الله عليه وسلم بالبُراق إلى السماء أم فقط أسري به على ظهره إلى القدس؟ ومن هو النبي الذي كانت روحه تسكن السماء السابعة؟ كل هذا سوف نستنجه من خلال هذا البحث بإذن الله تعالى.

روي حديث الإسراء والمعراج بعدّة روايات، وفيها اختلاف يسير.

الرواية الأولى: حديث قتادة بن دعامة.

عن قتادة عن ‌أنس بن مالك، عن ‌مالك بن صعصعة رضي الله عنهما: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به: بينما أنا في الحطيم، وربما قال في الحجر، مضطجعا، إذ أتاني آت فقد، قال: وسمعته يقول: فشق ما بين هذه إلى هذه فقلت: للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: من قصه إلى شعرته فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه، قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه، قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت فردا، ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إلى إدريس، قال: هذا إدريس، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من يدخلها من أمتي، ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، قال: فسلمت عليه فرد السلام، قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع لي البيت المعمور، ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللبن فقال: هي الفطرة أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم، قال: فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي".

رواه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج.

وفي رواية عند مسلم: "حدثنا محمد بن المثنى. حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك - لعله قال - عن مالك بن صعصعة - رجل عن قومه - قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان. إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين. فأتيت فانطلق بي. فأتيت بطست من ذهب فيها من ماء زمزم. فشرح صدري إلى كذا وكذا. قال قتادة: فقلت للذي معي: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطنه. فاستخرج قلبي. فغسل ماء زمزم. ثم أعيد مكانه. ثم حشي إيمانا وحكمة. ثم أتيت بدابة أبيض يقال له البراق. فوق الحمار ودون البغل. يقع خطوه عند أقصى طرفه. فحملت عليه. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الدنيا. فاستفتح جبريل صلى الله عليه وسلم. فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قال ففتح لنا. وقال: مرحبا به. ولنعم المجيء جاء. قال: فأتينا على آدم صلى الله عليه وسلم. وساق الحديث بقصته. وذكر أنه لقي في السماء الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام. وفي الثالثة يوسف. وفي الرابعة إدريس. وفي الخامسة هارون صلى الله عليهم وسلم قال: ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السماء السادسة. فأتيت على موسى عليه السلام فسلمت عليه. فقال: مرحبا بالأخ صالح والنبي الصالح. فلما جاوزته بكى. فنودي: ما يبكيك؟ قال: رب! هذا غلام بعثته بعدي. يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي. قال: ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السماء السابعة. فأتيت على إبراهيم" وقال في الحديث: وحدث نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان "فقلت: يا جبريل! ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة. وأما الظاهران فالنيل والفرات. ثم رفع لي البيت المعمور. فقلت: يا جبريل! ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور. يدخله كل يوم سبعون ألف ملك. إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم. ثم أتيت بإناءين أحدهما خمر والآخر لبن. فعرضا علي. فاخترت اللبن. فقيل: أصبت. أصاب الله بك. أمتك على الفطرة. ثم فرضت علي كل يوم خمسون صلاة" .. ثم ذكر خبر المعراج إلى آخر الحديث.

رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء.

قلت: في حديث مالك بن صعصعة أمور:

أن النبي كان نائما في الحطيم أو الحجر.

وأنه شق صدره وغسل قلبه وحشي إيمانا وهو في موضعه.

وأنه أسري به إلى السماء الدنيا على ظهر البراق.

وأنه لقي موسى في السماء السادسة وإبراهيم في السماء السابعة.

وأن موسى بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من يدخلها من أمتي.

ولم يذكر الإسراء إلى بيت المقدس.

وذكر أنه عرض عليه إناء اللبن والخمر في السماء.

والرواية الثانية: حديث شريك بن عبدالله.

عن ‌شريك بن عبد الله أنه قال: سمعت ‌ابن مالك يقول: "ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة: إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته، حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه، ثم أتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب، محشوا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده، يعني عروق حلقه، ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد، قال: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك فسلم عليه، فسلم عليه ورد عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا بابني، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك، قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك، ثم عرج إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به وأهلا، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا مثل ذلك، ثم عرج به إلى السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، فأوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة، لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة، بتفضيل كلام الله، فقال موسى: رب لم أظن أن يرفع علي أحد، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى إليه، خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة قال إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل: أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار، فقال وهو مكانه: يا رب خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هذا. فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: يا رب إن أمتي ضعفاء، أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم، فخفف عنا فقال الجبار: يا محمد، قال: لبيك وسعديك قال: إنه لا يبدل القول لدي، كما فرضت عليك في أم الكتاب، قال: فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها قال موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا موسى، قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه. قال: فاهبط باسم الله، قال: واستيقظ وهو في مسجد الحرام.»

رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب وكلم الله موسى تكليما.

وقوله: "قبل أن يوحى إليه". وهمٌ شنيع، إذ كيف يؤمر بالصلاة وهو لم يوحى إليه بعد!

قلت: وفي خبر شريك بن عبدالله أمور:

أن جبريل جاء إلى النبي وهو في الحطيم أو الحجر.

وأنه احتمله حتى وضعه عند زمزم وشق صدره وحشى قلبه إيمانا.

وأنه عرج به من بئر زمزم.

ولم يذكر البراق.

وذكر أنه لقي إدريس في الثانية وهارون في الرابعة.

وذكر أنه لقي إبراهيم في السادسة وموسى في السابعة.

وأن سبب كون موسى في السابعة هو بتفضيل كلام الله.

وأن موسى قال: رب لم أظن أن يرفع عليَّ أحد.

وأنه زعم أن الكوثر والنيل والفرات في السماء الثانية!

ولم يذكر الإسراء لبيت المقدس.

وحديث شريك فيه أوهام.

والرواية الثالثة: حديث الزهري.

عن ‌ابن شهاب الزهري، عن ‌أنس بن مالك قال: كان ‌أبو ذر يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا، فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء: افتح، قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم، معي محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: أرسل إليه؟ قال: نعم، فلما فتح علونا السماء الدنيا، فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة، وعلى يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل يساره بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، حتى عرج بي إلى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح، فقال له خازنها مثل ما قال الأول ففتح. قال أنس: فذكر أنه وجد في السموات آدم، وإدريس، وموسى، وعيسى، وإبراهيم، صلوات الله عليهم، ولم يثبت كيف منازلهم، غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السماء السادسة. قال أنس: فلما مر جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم بإدريس، قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح. فقلت: من هذا؟ قال: هذا إدريس، ثم مررت بموسى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى، ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى، ثم مررت بإبراهيم، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم صلى الله عليه وسلم.» قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم: أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام. قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعني فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه فقال: ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي، ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها حبايل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك".

رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، واللفظ له ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء، وفيه: شماله، بدل يساره.

ورواه الترمذي مختصرا، وقال: حديث أنس حديث حسن صحيح غريب.

قلت: في حديث الزهري أمور:

أن النبي عرج به من بيته.

وأن سقف بيت النبي فرج.

وأن جبريل شق صدره وحشى قلبه إيمانا وهو في بيته.

ولم يذكر البراق

ولم يذكر الإسراء إلى بيت المقدس

وذكر أن إبراهيم في السادسة ولم يذكر أين كان موسى.

والرواية الرابعة: حديث ثابت البناني.

ثابت البناني عن أنس بن مالك؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أتيت بالبراق - وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه - قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس. قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء. قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين. ثم خرجت. فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن. فاخترت اللبن. فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: اخترت الفطرة. ثم عرج بنا إلى السماء. فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا. فإذا أنا بآدم. فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الثانية. فاستفتح جبريل عليه السلام. فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال. محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه؟ ففتح لنا. فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما. فرحبا ودعوا لي بخير. ثم عرج بي إلى السماء الثالثة. فاستفتح جبريل. فقيل: من أنت. قال: جبريل. قيل. ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا. فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم. إذا هو قد أعطي شطر الحسن. فرحب ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة. فاستفتح جبريل عليه السلام. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قال: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بإدريس. فرحب ودعا لي بخير. قال الله عز وجل: {ورفعناه مكانا عليا} ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة. فاستفتح جبريل. قيل من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: وقد بعث إليه. ففتح لنا. فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم. فرحب ودعا لي بخير. ثم عرج إلى السماء السادسة. فاستفتح جبريل عليه السلام. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم. فرحب ودعا لي بخير. ثم عرج إلى السماء السابعة. فاستفتح جبريل. فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل. وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا. فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم، مسندا ظهره إلى البيت المعمور. وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه. ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى. وإن ورقها كآذان الفيلة. وإذا ثمرها كالقلال. قال، فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت. فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها. فأوحى الله إلي ما أوحى. ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة. فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم. فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت خمسين صلاة. قال: ارجع إلى ربك. فاسأله التخفيف. فإن أمتك لا يطيقون ذلك. فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. قال، فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب! خفف على أمتي. فحط عني خمسا. فرجعت إلى موسى فقلت: حط عني خمسا. قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. قال، فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمد! إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة. لكل صلاة عشر. فذلك خمسون صلاة. ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة. فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا. فإن عملها كتبت سيئة واحدة. قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته. فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه".

رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء.

وفي رواية أخرى عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتيت فانطلقوا بي إلى زمزم. فشرح عن صدري. ثم غسل بماء زمزم ثم أُنْزِلت".

 رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء.

وعن ثابت البناني وسليمان التيمي، عن أنس بن مالك؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أتيت - وفي رواية: مررت - على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره".

قلت: وفي خبر ثابت البناني أمور:

لم يذكر من أين أسري بالنبي.

وذكر أنه ركب البراق.

وذكر أنه أسري به على ظهر البراق إلى بيت المقدس.

وذكر أنه صلى فيه ركعتين.

وذكر أنه لما خرج أتي بإنائين من لبن وخمر.

وذكر أنه عرج به بعد شرب اللبن إلى السماء.

وذكر أن موسى في السادسة.

وذكر أن إبراهيم في السابعة مسندا ظهره إلى البيت المعمور.

والرواية الخامسة: حديث زر بن حبيش.

عن زر بن حبيش قال: أتيت على حذيفة بن اليمان وهو يحدث عن ليلة أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " فانطلقا حتى أتيا على بيت المقدس، فلم يدخلاه، قال: قلت: بل دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ وصلى فيه، قال: ما اسمك يا أصلع؟ فإني أعرف وجهك، ولا أدري ما اسمك قال: قلت: أنا زر بن حبيش، قال: فما علمك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه ليلتئذ؟ قال: قلت: القرآن يخبرني بذلك، قال: من تكلم بالقرآن فلج، اقرأ، قال: فقرأت: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) [الإسراء]. قال: فلم أجده صلى فيه، قال: يا أصلع، هل تجد صلى فيه؟ قال: قلت: لا، قال: والله ما صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ، لو صلى فيه لكتب عليكم صلاة فيه، كما كتب عليكم صلاة في البيت العتيق، والله ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء، فرأيا الجنة والنار، ووعد الآخرة أجمع، ثم عادا عودهما على بدئهما، قال: ثم ضحك حتى رأيت نواجذه، قال: ويحدثون أنه ربطه، أليفر منه، وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة؟! قال: قلت: أبا عبد الله، أي دابة البراق؟ قال: دابة أبيض طويل هكذا خطوه مد البصر".

رواه أحمد بإسناد حسن.

قلت: في حديث زر أمور:

أن الإسراء إلى بيت المقدس والإسراء إلى السماء وقع في ليلة واحدة.

وأنه أسري بالنبي على ظهر البراق إلى بيت المقدس

وأنه أسري به على ظهر البراق إلى السماء.

وأنكر أن النبي صلى في بيت المقدس ركعتين.

وأنكر أن النبي ربط البراق.

وفي هذا الحديث أوهامٌ من حذيفة.

فقوله: "لو صلى فيه لكتب عليكم صلاة فيه، كما كتب عليكم صلاة في البيت العتيق" قلت: وهذا باطل، فالنبي صلى في مسجده بالمدينة، ولم يُكتب على المسلمين أن يصلّوا فيه، وأما إيجاب الصلاة في البيت العتيق، فلولا أن الله تعالى أوجب علينا الحج، لم يلزم الناس الصلاة فيه، بل لو حجّ حاج أو اعتمر معتمر، ولم يصلي فيه فرضاً ولا نفلاً، وصلّى خارج البيت العتيق، لم يلحقه إثم، ولم يلزمه الصلاة فيه.

وقوله: "والله ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء" يُردّ عليه بأنه ما توجه إلى بيت المقدس، إلّا لحاجة، فإن لم تكن حاجته الصلاة فيه، فما حاجة التوجه إلى بيت المقدس إذاً؟!

والرواية السادسة: حديث مرة الهمداني.

عن ‌مرة، عن ‌عبد الله بن مسعود قال: "لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى قال: انتهى إليها ما يعرج من الأرض وما ينزل من فوق، قال: فأعطاه الله عندها ثلاثا لم يعطهن نبيا كان قبله: فرضت عليه الصلاة خمسا، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لأمته المقحمات ما لم يشركوا بالله شيئا. قال ‌ابن مسعود : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ)  قال: السدرة في السماء السادسة. قال سفيان: فراش من ذهب، وأشار سفيان بيده فأرعدها وقال غير مالك بن مغول: إليها ينتهي علم الخلق لا علم لهم بما فوق ذلك.

رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وقوله أن سدرة المنتهى في السماء السادسة، وهم من الراوي، فإن سدرة المنتهى في السماء السابعة، كما ورد في باقي الأخبار، ويقطع بذلك قوله تعالى في سورة النجم: (عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ) فالجنة بالقرب من سدرة المنتهى، والجنة قطعا فوق السماوات السبع، لأنه ليس فوقها إلا عرش الرحمن.

والرواية السابعة: حديث سعيد بن المسيب.

عن سعيد بن المسيب قال: قال ‌أبو هريرة : "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما، فأخذ اللبن، قال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك".

رواه البخاري ومسلم.

وقوله: "بإيلياء" هو اسم أطلقه الرومان على مدينة القدس، عندما قاموا باحتلالها.

وعن سعيد بن المسيب، عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري به رأيت موسى وإذا رجل ضرب رجل كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس – أي: حمام - وأنا أشبه ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم ثم أتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر فقال اشرب أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل أخذت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك".

رواه البخاري ومسلم.

وهذا الإسراء إلى بيت المقدس، وفيه رد على حذيفة، بأن النبي لم يصلّي في بيت المقدس، وفي هذا الحديث، تصريحٌ بأنه صلى فيه، وقابل الأنبياء.

والرواية الثامنة: حديث أبي الزبير.

عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عرض علي الأنبياء. فإذا موسى ضرب من الرجال. كأنه من رجال شنوءة. ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام. فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود. ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه. فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم - يعني نفسه - ورأيت جبريل عليه السلام. فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية". - وفي رواية: ابن رمح - "دحية بن خليفة".

رواه مسلم.

والرواية التاسعة: حديث أبي سلمة.

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: سمعت ‌جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لما كذبني قريش، قمت في الحجر، فجلا الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه".

زاد يعقوب بن إبراهيم: حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه: "لما كذبني قريش، حين أسري بي إلى بيت المقدس" .. نحوه.

رواه البخاري.

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قط". قال: "فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب، جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي، أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد، هذا مالك صاحب النار، فسلم عليه، فالتفت إليه، فبدأني بالسلام".

رواه مسلم.

قلت: واجتماعه مع الأنبياء كان ليلة الإسراء كما هو مصرح به في حديث أبي هريرة.

والرواية العاشرة: حديث أبي العالية.

عن ‌أبي العالية حدثنا ابن عم نبيكم يعني ‌ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ليلة أسري بي، موسى رجلاً آدم طوالاً جعدا كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلاً مربوعاً مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس، ورأيت مالكاً خازن النار، والدجال، في آيات أراهن الله إياه (فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ) [السجدة] 

قال أنس وأبو بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تحرس الملائكة المدينة من الدجال".

رواه البخاري ومسلم.

قوله: "ورأيت مالكاً خازن النار" الراجح أنه إلى هنا انتهى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن قوله: "والدجال" .. إلى أخر الحديث، على الراجح أن قوله: "والدجال" إضافة من ابن عباس، وهي غير صحيحة، لأن الروايات بمجموعها تفيد أنه التقى بالأنبياء ليلة أسري به في المسجد الأقصى، وأنه صلى بهم، وأما الدجال، فمسجون في إحدى جزائر البحور.

وقول ابن عبّاس رضي الله عنه، أن المسيح عيسى بن مريم أحمر، وهمٌ منه، أو من أحد الرواة، ويظهر لي أنه خلط بين صفته وصفة المسيح الدجال.

فقد صحّ عن عبد الله بن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر، ينطف أو يهراق رأسه ماء، قلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم، ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس، أعور العين، كأن عينه عنبة طافية، قالوا: هذا الدجال، أقرب الناس به شبها ابن قطن". 

قال ابن عمر أو أحد رواة الحديث، عن ابن قطن: رجل من خزاعة.

رواه البخار يومسلم.

وعيسى عليه السلام رجل من ولد إبراهيم، وهم قوم تغلب عليهم الأدمة، كما أن بيئتهم بيئة يغلب على أهلها الأدمة، فتبين بذلك خطأ أبي هريرة رضي الله عنه، وأنه خلط بين صفة المسيح عيسى، وبين صفة المسيح الدجال.

قلت: ويتضح أن عبدالله بن عباس نقل هذا الخبر عن أبي هريرة رضي الله عنه، فإن غالب ما يرفعه ابن عباس إلى النبي، هو مما أخذه عن كبار الصحابة.

وقد روي عن أم هانئ بنت أبي طالب خبر في ذلك أيضاً، تركته لضعف إسناده ومتنه.

كما روى محمد بن إسحاق بن يسار خبر الإسراء والمعراج بزيادات منكرة، يظهر أنها من وضع القصاص وزياداتهم، لذلك تركت روايتها، وإنما نأخذ من الأخبار ما صح أو حسن.

قلت: فهذه الأخبار تدل بمجموعها على أن الإسراء إلى السماء، والإسراء إلى بيت المقدس، لم يقع في ليلة واحدة.

وأن الإسراء إلى السماء وقع في أول البعثة، وأنه أسري به من بيته، بعد أن فرج سقف داره، وأسري بروحه فقط، وهو بين النائم واليقظان، ولم يركب دابة، لأنه لم يكن في حاجة لدابة تحمله، فروحه تطير في السماء.

بينما وقع الإسراء إلى بيت المقدس قبل الهجرة، وهو نائم عند الحطيم أو الحجر، وأنه غسل قلبه بماء زمزم، وحشاه حكمة وإيمانا، والنبي بين النائم واليقظان، ثم أيقظه جبريل حتى استيقظ، وأسري النبي بروحه وجسده، وأن جبريل قدم له البُراق ليركبه، كونه في حاجة لدابة يركبها، لتقطع له الطريق بسرعة، فجسده ليس كروحه، لأن جسده محكوم بقوانين هذا العالم، ولا أدل على ذلك مما ورد في صفة البراق، من أنه يضع حافره عند منتهى طرفه، وذلك لسرعته، فهو يعدو عدواً لا تطيقه الخيل، جعلت النبي يقطع المسافة بين مكة وبيت المقدس في ساعة، فلما وقف به عند بيت المقدس وربطه في الحلقة، نزل وصلى ركعتين تحية المسجد، ثم انتظر حتى اجتمع الأنبياء، ليُصلّي بهم، لأنه خاتمهم، فسلّم عليهم، وسلّم على مالك خازن النار، وهناك شاهد صورهم، فصلى بهم، مما يدل على أن الصلاة كانت قد فرضت، وهذا يدل على أن الإسراء إلى السماء لفرض الصلاة، وقع قبل الإسراء إلى بيت المقدس، وبما أن الصلاة فرضت في أول البعثة، بل قبل إسلام خديجة عليها السلام، فهذا يدل على أن مسرى النبي إلى السماء وقع في أول البعثة، ولكن لا أحد يعلم هل بعث الأنبياء بأرواحهم وأجسادهم، أم بأرواحهم؟ والراجح أنهم جاءوا بأرواحهم في صور أجسادهم التي كانوا عليها، وأما أجسادهم فمسجّاة في قبورهم.

وأما من يزعم أن الصلاة فرضت مرتين، فهذا قول باطل بيّن البطلان، أراد أن يجمع به بين الأخبار ولا يصح.

ولعل السبب في كون بعض الصحابة يخلط بين الإسراء إلى السماء، والإسراء إلى بيت المقدس، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يخبر بما وقع له ليلة أسري به إلى السماء، فيقول: ليلة أسري بي، ويريد الإسراء به إلى السماء، فيحدث الصحابة بما وقع له في أثناء مسراه إلى السماء، ويخبر بما وقع له ليلة أسري به إلى بيت المقدس، فيقول: ليلة أسري بي، ويريد الإسراء به إلى بيت المقدس، فيحدث الصحابة بما وقع له في أثناء مسراه إلى بيت المقدس، فظن بعض الصحابة أن الإسراء إلى السماء والإسراء إلى بيت المقدس وقع في ليلة واحدة، ثم خلطوا بين تفاصيل الواقعتين.

ولعل هذا أيضا هو سبب تخبط المؤرخين في تحديد ليلة الإسراء، فقيل بأنه وقع قبل الهجرة بست سنين وقيل قبل الهجرة بخمس سنين وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين وقيل قبل الهجرة بسنة وقيل قبل الهجرة بستة أشهر وقيل قبل الهجرة بشهر واحد!

كذلك عندما رأى الجنة والنار في السماء، إنما رآها ليله أسري به إلى السماء، أما شرب اللبن، فمن سياق الأخبار يتضح أنها وقعت ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، لأنه أسري بروحه وجسده، حيث أنه لما خرج من المسجد بعد الفراغ من الصلاة، قدم له اللبن والخمر، فشرب اللبن.

وأما الاختلاف في شأن موسى وإبراهيم عليه السلام، فلم أهتد إلى الصواب فيه، فإن كل قول له شاهده الذي يشهد له، وإن كنت لا استبعد أن يكون موسى هو الذي في السماء السابعة، لأن النبي لما هبط اعترضه موسى وسأله عن عدد الفروض التي افترضها الله عليه، ولم يذكر أن باب السماء السابعة فتحت له أثناء نزوله إلى السماء السادسة، أو فتحت له عندما يريد الصعود إلى ربه ليُخفِّف عن عباده، فلعل هذا من الشواهد على أن موسى هو الذي في السابعة، وأما قول الراوي: أن النبي رأى إبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور. فيظهر أنه من زيادات الرواة وتأليفاتهم على الأخبار وهما منهم.

والله وحده أعلم وأحكم.