أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سوف تجري أحداث، تكون علامات على قرب قيام الساعة، وصنّف أهل العلم هذه العلامات، على أنها علامات صغرى، والسبب في ذلك، هو لكون هذه العلامات وقائع شبه طبيعية، وقد تقع ولا ينتبه لها كثير من الناس.
وشرطي في هذا البحث أن لا أورد إلا حديثا صحيحاً، وأن يصرّح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه من علامات الساعة، بقوله "من أشراط الساعة" أو "بين يدي الساعة" ونحو ذلك.
فمما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب عدّة أحاديث منها:
عن عوف بن مالك الأشجعي قال: أَتَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ وهو في قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَقالَ: "اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفاضَةُ المالِ حتّى يُعْطى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينارٍ فَيَظَلُّ ساخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إلّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بيْنَكُمْ وبيْنَ بَنِي الأصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمانِينَ غايَةً، تَحْتَ كُلِّ غايَةٍ اثْنا عَشَرَ أَلْفًا".
رواه البخاري.
قوله: "قبةٌ من أدم" القبة، هي: الخيمة، والأدم، هو الجلد. أي: خيمة من جلد.
وقوله: "موتي" أي: موت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول علامات الساعة الصغرى، وقد وقعت هذه العلامة.
وقوله: "ثم فتح بيت المقدس" وقد وقعت هذه العلامة في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، سنة 16 للهجرة.
وقوله: "ثم مُوْتَانٌ يأخذ فيكم كقعاص الغنم" قوله: "موتان" أي: كثير الموت، والألف والنون للإشباع والمبالغة، كقولنا: جوعان، وعطشان، ومرضان، ونحو ذلك.
وقوله: "كقعاص الغنم" القعاص، داء يأخذ في حلوق الغنم وصدورها، فيهلكها.
وقد وقعت هذه العلامة في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بالشام، ومات فيها بعض الصحابة، كان يأخذهم شيء في حلوقهم، فيقتلهم، وهو ما يعرف بطاعون عمواس، الذي وقع بالشام سنة 18 للهجرة.
وقوله: "ثُمَّ اسْتِفاضَةُ المالِ حتّى يُعْطى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينارٍ فَيَظَلُّ ساخِطًا" وقد ذكرت هذه العلامة أيضا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يَهِمُ ربُّ المال من يقبله منه صدقة، ويُدعى إليه الرجل فيقول: لا أرب لي فيه".
رواه البخاري ومسلم.
وقد وقعت في بداية الفتوحات الإسلامية، فلا زال المسلمون يزدادون ثراءً حتى كان زمن أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز الأموي، فلم يوجد في زمانه من يقبل الصدقة.
وقوله: "ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته" الفتن كثيرة، قد تكون في الدين، أو النفس، أو العرض، أو المال، أو العقل، فلا يدرى أي الفتن عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما زال المسلمون منذ الفتنة التي وقعت في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في فتن ومحن، إلا أن ما يميّز هذه الفتنة هو أنها لا تترك أحداً، وكأنها فتنة تقع في الدين والأنفس والأعراض والأموال والعقول معاً، ولا أعلم هل وقعت هذه العلامة أم لا؟!
وقوله: "ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بيْنَكُمْ وبيْنَ بَنِي الأصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمانِينَ غايَةً، تَحْتَ كُلِّ غايَةٍ اثْنا عَشَرَ أَلْفًا"
الهدنة، هو الصلح بعد الحرب.
وقوله: "ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً" الغاية، هي: الراية. وهذا يعني أنهم يأتون في 960,000 مقاتل.
وهذه العلامة، حسب مطالعتي للتاريخ لم تقع بعد، والله أعلم.
ومما يلاحظ في حديث عوف بن مالك الأشجعي، أن النبي صلى الله عليه وسلم رتّب هذه العلامات بحسب وقوعها، فما علمناه منها، وتيقنا وقوعه منها، جائت على الترتيب الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المَجان المطرقة".
رواه البخاري.
قوله: (صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف) أي: شعوب الصين والتتر ومن في حكمهم.
وقوله: "قوماً نعالهم الشعر" وهذا النوع من الأحذية، ترتدية القبائل التي تقطن في شمال الأرض، في المناطق الباردة، وكأنه أراد بذلك قبائل الروس ومن في حكمها، ولا تزال أحذية الشعر مستعملة عند الروس، ويسمونها: أحذية الفالنكي.
وهذه العلامة، من العلامات التي وقعت سلفاً، حيث قاتل المسلمون في زمن بني أميّة الترك، وقهروا الروس، ولم تزل الحروب بين المسلمين والترك والروس مستمرة زمن قوة الدولة الإسلامية، حيث استمرت زمن بني أميّة وبني العباس، حتى ظهر الخوارج، كالبويهيين والسلاجقة والزَنكيّين والأيوبيين والتومرتيين والمماليك والعثمانيين، ومزقوا دولة بني العباس إلى دويلات متناحرة، وأوقفوا المدّ الإسلامي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين. كلهم يزعم أنه رسول الله".
رواه البخاري ومسلم.
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي".
رواه الترمذي.
قلت: وهؤلاء الأنبياء الكذبة، عندما يظهرون، ليسوا بأفراد لا أثر لهم، أو مرضى معاتيه لا يؤبه لهم، بل هم قوم أصحاء، ويكون لهم خبر يذكر، وأثر يعرف، ويكون لهم أتباع وأشياع.
ومن هؤلاء الكذابين: الأسود بن كعب العنسي، وطليحة بن خويلد الأسدي، ومسيلمة بن ثمامة الحنفي، وسجاح بنت الحارث التميمية، ولقيط الأزدي؛ من أزد عمان، والمختار بن أبي عبيد الثقفي.
ومنهم في الأزمنة المتأخرة: الميرزا غلام أحمد القادياني البنجابي، الذي خرج ببلاد السند، وأيضاً المدعو: إمام الله المهدي السنغالي، الذي ظهر ببلاد السنغال.
كان القادياني والسنغالي من مشايخ الصوفية الطرقيّة، وكان القادياني عميلاً للإنجليز، بينما كان إمام الله المهدي عميلاً للفرنسيين، أيام احتلال الإنجليز وفرنسا للعالم الإسلامي، وكان دورهما يقتصر على إفساد الملّة الإسلامية، وقتل روح الجهاد بين العامة.
هلك هؤلاء جميعاً على الكفر، إلا طليحة الأسدي، وسجاح التميمية، فإنهما تابا إلى الله تعالى، وفاءا إلى الإسلام.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، تضيء أعناق الإبل ببصرى".
رواه البخاري ومسلم.
هكذا قال النبي: "من أرض الحجاز" ولم يحدّد موضعاً بعينه، وبصرى من مدن الشام.
قال أبو شامة الأشعري الجهمي الصوفي الخرافي في تاريخه الذيل على أخبار الدولتين: "في يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة ظهرت نار بأرض المدينة النبوية في بعض تلك الأودية طول أربعة فراسخ وعرض أربعة أميال تسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك، ثم يصير كالفحم الأسود وإن ضوءها كان الناس يسيرون عليه بالليل إلى تيماء وأنها استمرت شهرا، وقد ضبط ذلك أهل المدينة".
قلت: والمسافة بين المدينة وتيماء، قرابة 230 ميلا.
وقال العماد بن كثير المفوِّض المرجئ في كتابه النهاية: "وأخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي بن القاسم الحنفي قاضيهم بدمشق عن والده الشيخ صفي الدين مدرس الحنفية ببصرى أنه أخبره واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة ممن كان بحاضرة بلد بصرى أنهم شاهدوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز".
قلت: والمسافة بين المدينة وبصرى، قرابة 575 ميلا، وهذا مخالف لقول أبي شامة، من أن الناس كانوا يسيرون على ضوئها بالليل إلى تيماء، ثم ينقطع ضوئها، وأبو شامة معاصر للحدث، بينما ابن كثير لم يعاصرها، وإنما ينقل الخبر بواسطة، فالله أعلم أصدق من أخبر ابن كثير بذلك أم كذب، فإن صدق، فلا شك أنها النار التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كذب، فلعل النار التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم لم تخرج بعد.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال "أين السائل عن الساعة؟". قال: ها أنا يا رسول الله قال: "فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة". قال كيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
رواه البخاري.
ومعنى قوله: "إذا وسّد الأمر إلى غير أهله" أي: إلى من لا يتقي الله تعالى فيه ولا يحسنه.
وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن الذين من قبلكم، شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم". قلنا: يا رسول الله آليهود والنصارى؟ قال: فمن!
وفي رواية: "فارس والروم" والأول أصح وأثبت.
قلت: ومعنى الحديث، أن المسلمين، سوف يقلدون اليهود والنصارى في كل شيء، وهذه من العلامات التي ظهرت في وقت مبكر من الإسلام، ولا زالت مستمرة إلى زماننا، حيث أضحى الناس يقلدون اليهود والنصارى في كل صغيرة وكبيرة، وكل دقيقة وجليلة، وكان أول ما تأثروا به أخلاقهم، فصارت أخلاقهم كأخلاقهم، ثم امتد هذا التأثر حتى شمل المأكل والمشرب والملبس والعادات!
ومن التأثر أيضا، وشدّة الاقتداء، ما نراه في مؤرخي الإسلام، كيف أنهم إذا تعارضت آية محكمة أو حديث صحيح مع خبر ورد عند أهل الكتاب، قدموا ما ورد عند أهل الكتاب واعتمدوه، ثم شرعوا يحرفون معنى الآية أو الحديث، ليأتي متوافقا مع ما يقوله ويزعمه أهل الكتاب، هذا مع علمهم أن كتب أهل الكتاب دخلها تحريف كثير!
وعن أبي هريرة، أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: متى الساعة؟ قال "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها، إذا ولدت الأمة ربتها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله".
رواه الخاري ومسلم.
قوله: "إذا ولدت الأمة ربتها" وفي رواية: "ربها" الأمة الصغيرة من النساء، وكان فيمن مضى، إذا ولد للأمة أو الرجل طفلاً، لا يبلغ الطفل سنّ التمييز حتى يصير كالخادم عند والديه، فإذا دنت الساعة، انقلب الحال، فصار الطفل هو من يأمر على أمه وأبيه، وهم ينفذون ما يريد، طلباً لرضاه، لشدة حبهم له، ورقتهم عليه، إذ يصيب الناس حبٌّ ورقّة شديدة لأطفالهم، لم تكن في آبائهم وأسلافهم!
وقوله: "تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان" أي: أن البدو الذين كانوا يسكنون بيوت الشعر، وينتجعون القفر، سوف يشيّدون القصور، ويتطاولون في تشييدها، أي: يتنافسون في توسعتها وزخرفتها وتزيينها.
وهذه أمور عاصرناها وشاهدناها في زماننا!
وعن شقيق قال: كنت مع عبد الله وأبي موسى فقالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع العلم".
رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العبَّاد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا".
رواه البخاري.
قلت: وهذه من العلامات التي وقعت، ولا زالت مستمرة، فإن أول رأس من الرؤوس الجهال، ظهر في زمن الصحابة، فكان أن ظهرت الشيعة الرافضة، والناصبة، والخوارج الحرورية، والمرجئة، والقدريّة. فلما كان زمن التابعين، خرجت فرق أخرى، كان منها: الخوارج المعتزلة، والجبرية، والممثلة، والصوفية، ثم تعاظم الأمر، حتى ظهرت الفرق الكلامية، كالجهمية والكلابية والأشاعرة والماتريدية، فأفسدت في الإسلام فساداً عظيما.
وكانت أخطر تلك الفرق هي الفرق الكلامية، خصوصاً: الأشاعرة والماتريدية، فإنهم كانوا أهل حيل ومخاريق، وتدليس وتلبيس، وكانوا يسوقون لمذهبهم، على أنه مذهب أهل السنة والجماعة، وأنه مذهب الصحابة والأئمة الكبار: أحمد والشافعي ومالك، حتى أنهم كانوا يضعون عليهم الأخبار في موافقة مذهبهم، فإذا بحثت عنها لم تجد لها أصلاً، وكانوا أخبث فرقة نشأت في الإسلام.
فما زال أهل البدع يفتلون في ذروة الإسلام وغاربة، ما انقضى القرن السادس الهجري، إلا وقد استحكم الجهل بين الناس، المتعلم منهم والعامي، حتى لم يبقى على هدي النبي والصحابة إلا طائفة قليلة، هم النُزَّاع في القرى والقبائل، وقد تصدر أهل البدع والزيغ والضلال في مجالس العلم، وصنفوا الكتب، وفسروا القرآن وشرحوا الأحاديث، ليحرفوا بها كلام الله وكلام رسوله، واستقووا على أهل الحق، بقوة السلطان، ومن لم يكن متكلماً، صار مرجئاً، الإسلام والكفر عنده سواء!
حتى انقذ الله الملة الحنيفية، والسنة النبوية، والشريعة المحمدية، بالإمام ناصر السنة وقامع البدعة شيخ الإسلام ومفيد الأنام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى ورضي عنه، فإن الله تعالى نفض به غبار الملحدين، ووسخ المشركين، وجدّد به معالم الدين، فلا يزال الملاحدة والوثنيون منه في شرٍّ إلى زماننا هذا.
ثم إنه بعد زمان الإمام محمد بن عبدالوهاب بدهر، نبغت المرجئة والخوارج، وتغلغلت في أوساط تلاميذ مدرسة الإمام محمد بن عبدالوهاب، فأضلوا كثيراً من الخلق، والله المستعان.
وبقي أهل الحق عصابة قائمة بالحق لا يضرهم من خذلهم، متمسكون بكتاب ربهم وسنة نبيهم، حتى يلقوا ربهم إن شاء الله.
وعن أنس بن مالك، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من أشراط الساعة، أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون للخمسين امرأة القيم الواحد".
رواه البخاري ومسلم.
وقوله: "ويشرب الخمر ويظهر الزنا" أي: يكثر وينتشر، ويجاهر الناس به، بعد أن كانوا يستخفون به.
وقوله: "القيّم الواحد" أي: رجل واحد، ينفق عليهن، ويرعاهن.
وجميع هذه العلامات ظهرت منذ زمن، ولا زالت مستمرة، بل وتزداد أكثر وأكثر، إلا قلّة الرجال، فإنها لم تقع بعد.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد".
رواه أحمد وأبو داود.
وقال أنس: "يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا".
رواه البخاري مرسلا.
قال البخاري: "فالتباهي بها العناية بزخرفتها".
قال ابن عباس: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى".
رواه البخاري مرسلا.
وهي من العلامات التي وقعت قديماً، كان أول مسجد زخرف مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، عندما بناه أمير المؤمنين عثمان بن عفان بالحجارة المنقوشة، ثم قام بنو أمية ببناء الجامع الأموي ومسجد قبة الصخرة، ثم تسارع الناس في بناء المساجد المزخرفة، ولا زالت مستمرة إلى يومنا.
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج". قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل القتل".
رواه البخاري ومسلم.
قوله: "يتقارب الزمان" أي: يقصر، وهذا له معنيان:
الأول: أن يكون تقارب الزمان مجازياً، بحيث تتطور وسائل المواصلات، فما يقطع في سنة يقطع في شهر، وما يقطع في شهر يقطع في أسبوع، وما يقطع في أسبوع يقطع في يوم، وما يقطع في يوم يقطع في ساعة، وما يقطع في ساعة، يقطع في لحظة.
فإن كان هذا هو المراد، فقد وقع هذا في زماننا، نظراً لتطور وسائل المواصلات، فصارت مسيرة سنة، تقطع في أيام معدودة على السيارة، وقد تقطع في يوم واحد فقط على الطيارة، وصارت الرسالة التي تمكث بالأشهر لتصل إلى متلقيها، لا تمكث اليوم سوى أيام معدودة عن طريق البريد المنزلي، ولا تمكث سوى لحظة عن طريق البريد الإلكتروني.
الثاني: أن يكون تقارب الزمان تقارباً حقيقياً بيّناً، يفطن له كل أحد، وليس هذا التقارب ما يذهب إليه البعض، فإن البعض إذا التهى في عمله وانقضى يومه وهو لا يشعر، قال: تقارب الزمان! وليس هذا بالتقارب المعني في الحديث، لأن هذا التقارب ليس تقارباً حقيقياً بيّناً، بل تقارب وهمي، أشعره به انشغاله في أعماله.
وقوله: "وينقص العمل" أي: يقصّر الناس في أداء عباداتهم، لإنشغالهم بأعمالهم الدنيوية وملذاتهم، فالعمل المراد به هنا، العبادات التي افترضها الله على عباده، وهذه من العلامات التي وقعت ولا زالت مستمرة.
وقوله: "ويلقى الشح" أي: يكثر الشحّ في الناس وبين الناس، والشحّ: البخل. ﺎﻟﺸﺢ ﻣﻦ ﻃﺒﺎﺋﻊ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ ﻳﺘﺨﻠﺺ الإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺢ، ﻭﻣﻊ ﺍلاﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺢ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﻄﻴﻌﺔ الأﺭﺣﺎﻡ ﻭﺳﻔﻚ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺸﺢ ﻳﻔﻀﻲ إليها؛ لأﻧﻪ يحمل الإنسان على طلب ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ، ﻭﻣﻨﻊ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ.
وقوله: "الهرج" بينه النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أنه "القتل".
عن أسيد بن المتشمس، قال: كنا عند أبي موسى، فقال: "ألا أحدثكم حديثا كان رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم يحدثناه؟ قلنا: بلى. قال: قال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج فقلنا: يا رسول الله، وما الهرج؟ قال: القتل القتل. قلنا: أكثر مما نقتل اليوم! قال: ليس بقتلكم الكفار، ولكن يقتل الرجل جاره، وأخاه، وابن عمه. قال: فأبلسنا حتى ما يبدي أحد منا عن واضحة، قال: قلنا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: تنزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان، ويخلف هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء".
رواه ابن ماجه.
وفي رواية حطان الرقاشي، عن أبي موسى الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضا" .. الحديث.
رواه أحمد.
فهذا هو الهرج الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهارا".
رواه مسلم.
وقوله: "وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهارا" قد يراد به، كثرة الحقول والبساتين، وقد يراد به أن صحاريها تتحول إلى مروج خضراء، كما هي الحال في المناطق الشمالية، من الأرض. فإن كان المعنى الأول هو المقصود، فقد وقع ذلك، خصوصاً في زماننا، والله أعلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة، تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو".
رواه مسلم
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا .. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً".
رواه البخاري ومسلم.
وهذه العلامة لم تقع بعد.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه".
رواه البخاري.
وقوله: "يسوق الناس بعصاه" أي: يكون هو الآمر فيهم والناهي، كناية عن الحكم.
ولا أعلم على مدى التاريخ أن الله جمع الناس على رجل من قحطان، وظني أن هذه العلامة لم تقع بعد.
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تذهب الأيام والليالي، حتى يملك رجل يقال له الجهجاه".
رواه مسلم.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يذهب الليل والنهار حتى يملك رجل من الموالي يقال له جهجاه".
رواه الترمذي بسند حسن.
قلت: فالجهجاه، رجل من الموالي، يؤتيه الله تبارك وتعالى الملك.
ولا أعلم على مدى التاريخ أن الله جمع الناس على رجل يدعى الجهجاه، وظني أن هذه العلامة لم تقع بعد.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا".
رواه مسلم.
والفتن كما أسلفنا، قد تقع في الدين، أو في النفس، أو في المال، أو في العرض، أو في العقل، نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
إلا أن المراد بالفتنة في الحديث، هي فتنة الدين، تعرض الفتن على الناس في دينها، حتى يخرج منه، وهذه العلامة خرجت زمن الخليفة العباسي المأمون، الذين كان الإمام أحمد بن حنبل يصفه بأنه لم يكن مأموناً، بسبب بثه لبدعة التجهم والإعتزال، واستمرت هذه الفتنة إلى يومنا هذا، لا يخرج داعية حق يأتلف الناس عليه، إلا تكالبت جنود الباطل عليه حتى تميت ما أحيا من الإسلام والسنة، وكذلك شاهدنا ذلك في زماننا، فقد أحيا الله الناس في جزيرة العرب وفي غيرها بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رحمة واسعة، فما زال الناس بخير في نجد والحجاز، حتى كان زماننا، فظهرت فتنة تفتن الناس في دينها، حتى خرج كثير من الناس من الإسلام والسنة أفواجاً، كما دخلوه من قبل أفواجاً، وارتكسوا في البدع والخرافات، نسأل الله العافية.
هذا ما صحّ عندي من علامات الساعة الصغرى، والله أعلم وأحكم.