وسمّيت علامات الساعة الكبرى، لكونها ظاهرة بيّنة، لا يختلف في أمرها على أنها العلامة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم هي لا تقع إلا على مشارف الساعة.
كما أنها تقع متتابعة، بعضها وراء بعض، وربما يكون من المؤمنين الذين يدركون أول تلك العلامات من يدرك أخرها.
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك؛ يتبع بعضها بعضًا".
رواه أحمد.
وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خروج الآيات بعضها على إثر بعض، يتتابعن كما تتابع الخرز في النظام".
رواه الطبراني في الأوسط.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق. فإذا جاؤوها نزلوا. فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم. قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر. فيسقط أحد جانبيها. قال ثور (أحد رواة الحديث): لا أعلمه إلا قال: الذي في البحر. ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر. فيسقط جانبها الآخر. ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر. فيفرج لهم. فيدخلوها فيغنموا. فبينما هم يقتسمون الغنائم، إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج. فيتركون كل شيء ويرجعون".
رواه مسلم.
قوله: "سبعون ألفا من بني إسحاق" أي: من مسلميهم.
وبنو إسحاق، هم بنو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام.
وأما من زعم أن المراد ببني إسحاق هنا: الروم، فهو واهم، لأن الروم، ليسوا من ولد إسحاق عليه السلام، وإنما وقع وهم من المؤرخين والشراح، فخلطوا بين أدوم، وبين الروم، فأما أدوم، ويقال لهم: الأدوميون، فهم ولد عيسو بن إسحاق بن إبراهيم، وإنما قيل لولده أدوم، لأن ولده نزلوا بأرض يقال لها: أدوم، وهي أرض تقع جنوب بيت المقدس، وتتخللها سلسلة جبال سعير، فنسبوا إليها، فظن بعض المؤرخين، أن أدوم تصحيف الروم، فنسب الروم إلى عيسو بن إسحاق، وهذا خطأ.
وأما الروم، فهم بنو يونان بن يافث بن نوح عليه السلام، هكذا ورد نسبهم عند أهل الكتاب، وإنما قيل لهم الروم، لأن ولده بنو لهم مدينة وأسموها روما، فعرف سكانها والبلاد التابعة لها بالروم.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق، أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا، والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم، أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشأم خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته".
رواه مسلم.
قوله: "الأعماق أو دابق" هما موضعان بالشام.
قوله: "يخرج إليهم جيش من المدينة" يشير الخبر إلى أن المدينة سوف تعود عاصمة للمسلمين كما كانت، وأن الناس تصلح أحوالهم في دينهم ودنياهم، وأنهم ينتخبون لهم أميراً، فيجهز أمير المسلمين من المدينة جيشاً لغزو الروم.
وقوله: "إذ صاح فيهم الشيطان" قد يكون المراد هنا شيطان من الجن، علم بخروج الدجال، فأراد أن يفسد على المسلمين فرحتهم بالنصر والغنيمة، وقد يكون شيطان من الإنس، وقد لا يراد بذلك أنه شيطان في دينه أو خلقه، بل لأنه قدم على المسلمين بهذا الخبر السيء، الذي يسوؤهم.
وقوله: "وذلك باطل" يظهر أنه من زيادات الرواة وأوهامهم، لأنهم عندما يعودون يكون الدجال قد فرغ من التطواف في جزيرة العرب، وقد خرج إليهم وهم بالشام، فيكون قد خرج في أهليهم حقاً.
وقوله: "فأمَّهُم" وهم من الراوي، فقد روى مسلم عن جابر بن عبدالله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة".
رواه مسلم.
فالذي يظهر لي، أنه وقع سقط في من الراوي في حديث أبي هريرة، مفاده أن نبي الله عيسى لما هبط من السماء، أراد أمير المسلمين تقديمه، فأبى ذلك، فأمهم أميرهم.
وعن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا؛ اقدروا له قدره، قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى إني قد أخرجت عبادا لي لا يدألاحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحمهلم حيث شاء الله، ثم يرسل مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة.
رواه مسلم.
قوله: "عينه طافئة" أي: عمياء مسحاء لا يرى بها.
قوله: "إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ" أي: يقطر عرقا أو ماء، والجمان هنا، أي عرق أو ماء على هيئة اللؤلؤ.
قوله: "فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه" هذا وقت هبوطه إلى الأرض، وأما إذا استقر على الأرض، فلا، وذلك أنه يقابل الدجال وجنوده، فيراهم ويرونه، ويقاتلهم ويقاتلونه، فلم يموتوا بمجرد أن وجدوا ريح نفسه.
قوله: "بباب لد" بلدة تقع جنوب شرق مدينة يافا، قريبة منها، وهي على طريق بيت المقدس.
قلت: وهذا يعني أن اليهود المقيمين اليوم بفلسطين، ليسوا هم جنود المسيح الدجّال، فالمقيمون بفلسطين، يقتل بعضهم ويسلم باقيهم، ويغزون بلاد الروم مع المسلمين، أما جنود الدجّال، فهم يهود أصبهان، بإيران.
قوله: "لا يدان" أي: لا قوة له، والعرب تقول: "لا يدان" تريد أنه لا قوة له، وكأنه لا يدان له.
قوله: "من كل حدب" أي: من كل طريق.
قوله: "ويحصر نبي الله وأصحابه" أي: يحاصرهم يأجوج ومأجوج بالطور، لا يستطيعون الخروج منه.
قوله: "النغف" دودة تصيب الدواب والإنسان.
قوله: "لا يكن منه بيت مدر ولا وبر" أي: لا يقي منه شيء، لا بيوت المدر، وهي البيوت المبنية بالطين، ولا بيوت الوبر، أي: الخيام.
قوله: "يتهارجون فيها تهارج الحمر" الهرج هنا هو النكاح، أي: ينتشر بينهم الزنا، ولا يستقبحونه، فيكونون كالحمير التي تتناكح أمام الملأ.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بعث نبي إلا وأنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإن بين عينيه مكتوب كافر".
رواه البخاري ومسلم.
قوله: "ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور" أي: أن العور صفة نقص، والله يتعالى عن النقص.
قوله: "بين عينيه مكتوب كافر" أي: وسم وسمه الله بين عينيه.
وعن عبدالله بن عمر قال: النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء، قلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم. ثم ذهبت ألتفت، فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين، كأن عينه عنبة طافية، قالوا: هذا الدجال. أقرب الناس به شبها ابن قطن".
رواه البخاري ومسلم.
قوله: "آدم" أراد هنا لون بشرته، والأدمة هي السمرة الخفيفة.
وقوله: "سبط الشعر" أي: سهل مسترسل.
وقوله: "جسيم" أي: بدين.
وقوله: "أحمر" أي: ليس في لون جلده سمرة، بل هو أبيض مشرئب بحمرة.
وقوله: "جعد الرأس" أي: المتلوي المتقبض.
وقوله: "عنبة طافئة" أي: التي جُرِحت وسال مائها.
وعن عبادة بن الصامت، أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا، إن مسيح الدجال، رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا حجراء، فإن ألبس عليكم ربكم، فاعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور، وإنكم لن ترون ربكم تبارك وتعالى حتى تموتوا".
قال يزيد: "تروا ربكم حتى تموتوا".
رواه أحمد وأبو داود.
قوله: "أفحج" أي: مالت صدور قدميه إلى جهة بعضهما، وابتعد عقباه عن بعضهما.
وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال".
رواه البخاري ومسلم.
وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: "سمعت نداء المنادي، منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت فى صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه. ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: « إنى والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الدارى كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم، وحدثنى حديثا وافق الذى كنت أحدثكم عن مسيح الدجال، حدثنى أنه ركب فى سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا فى البحر، ثم أرفئوا إلى جزيرة فى البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا فى أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرجل فى الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا فى سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا فى أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل فى الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا، وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أى شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك ألا تثمر. قال: أخبرونى عن بحيرة الطبرية؟ قلنا: عن أى شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هى كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبرونى عن عين زغر؟ قالوا: عن أى شأنها تستخبر؟ قال: هل فى العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هى كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبرونى عن نبى الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإنى مخبركم عني، إنى أنا المسيح، وإنى أوشك أن يؤذن لى فى الخروج، فأخرج فأسير فى الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها فى أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلنى ملك بيده السيف صلتا يصدنى عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وطعن بمخصرته فى المنبر -: هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة. يعنى المدينة ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟. فقال الناس:نعم. فإنه أعجبنى حديث تميم أنه وافق الذى كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه فى بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو وأومأ بيده إلى المشرق. قالت فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
رواه مسلم.
وحديث الداري من أصح الأخبار في شأن الدجال، وهو يثبت أن الدجال حي يرزق، وأنه محبوس في جزيرة من جزائر البحور، حتى يأذن الله له بالخروج، ويثبت ذلك ويؤكّده، ما رواه أبو سعيد الخُدري، عن صافي بن صائد، وقيل: ابن صيّاد، وكان كاهناً من كهنة اليهود، ثم أسلم، في شأن المسيح الدجّال: "أما والله إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن".
رواه مسلم.
فهذا الخبر، يفيد أن ابن صيّاد، يعرف المسيح الدجّال، ويعرف متى ولد، ويعرف أنه موجود في زمانه، وهذا يعني أنه كان حياً، منذ ذلك الحين، وهو حي إلى أن يبعثه الله تعالى آخر الزمان.
وفي المسيح الدجال، شبه من عيسى عليه السلام، لأن عيسى لا يزال حيا بجسده، ولكنه رفع إلى السماء، فهو فيها حتى يأذن الله له بالنزول.
وعن زينب بنت جحش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوما فزعا، يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعيه: الإبهام والتي تليها، قالت زينب: فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث".
رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فسنحفره غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله تعالى واستثنوا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع عليها الدم الذي اجفظ فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم"
رواه ابن ماجه.
فقول النبي: "فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وحلق بأصبعيه الإبهام والسبابة، دليل على أن الردم شيء مصمت، فلو كان سداً عادياً لكان مفتوحاً من أعلاه.
وقوله: "حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس" ففيه دلالة ظاهرة، على أنهم لا يرون الآن شعاع الشمس، وإنما يبصرون بما يوقدونه من مشاعل، يحتطبونها من الأشجار التي تنموا في باطن الأرض، أو أن الله يهيء لهم نوراً يبصرون به في تلك المغاور.
فإن سألت كيف يعيشون في تلك المغاور؟ فالجواب: أنهم يشربون من أودية تجري في باطن الأرض، تتخلل تلك المغاور، ويكون أكلهم مما ييسره الله لهم من كائنات تعيش في باطن الأرض، والذي رزق بني آدم فوق الأرض، لن يعجزه رزقهم في جوف الأرض.
وأما عن كثرتهم، فالله لا يعجزه أن يعمر باطن الأرض بهم كما عمر ظاهرها بالخلق، ولكن ربما تكون كثرتهم فيما بعد، بسبب تغلبهم على باقي الشعوب، وإخضاعهم لها، ودخولهم تحت سلطانهم.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج".
رواه البخاري.
وعن يعقوب بن عاصم الثقفي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو، وجاءه رجل، فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا، فقال: سبحان الله أو لا إله إلا الله، أو كلمة نحوهما، لقد هممت ألا أحدث أحدا شيئا أبدا، إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما، يحرق البيت، ويكون ويكون، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين، لا أدري: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما، فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود، فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشأم، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه، حتى تقبضه". قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، قال: وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله، قال: فيصعق، ويصعق الناس، ثم يرسل الله، أو قال ينزل الله، مطرا كأنه الطل أو الظل - نعمان الشاك - فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس هلم إلى ربكم، وقفوهم إنهم مسئولون، قال: ثم يقال: أخرجوا بعث النار، فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، قال فذاك يوم يجعل الولدان شيبا، وذلك يوم يكشف عن ساق".
رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الآيات خروجا، طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على إثرها قريبا".
رواه مسلم.
وقوله: "أول الآيات" وهم من الراوي، فطلوع الشمس من مغربها والدابة، بعد موت عيسى عليه السلام، وقبل بعث الريح التي تقبض أرواح المؤمنين.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا".
رواه البخاري ومسلم.
قوله: "فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا" دليل على أن طلوع الشمس من مغربها من أخر الآيات، وليست أولها، لأنها تظهر ويختم على أعمال المؤمنين، فلا يزاد فيها ولا ينقص، مع أنهم أحياء، وعلى هؤلاء المؤمنين يبعث الله الريح الطيبة التي تقبض أرواحهم، فلا توبة بعد طلوع الشمس من مغربها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة".
رواه البخاري ومسلم.
يقال أن هذا وقع في أزمنة غابرة، ولم يكونوا يسمونها ذا الخلصة، وربما هذه العلامة تقع بعد موت المؤمنين من الريح الطيبة.
وعن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى". فقلت يا رسول الله: إن كنت لأظن حين أنزل الله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة] أن ذلك تاما قال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحا طيبة، فيتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم".
رواه مسلم.
وعن أبي سريحة حذيفة بن أسيد، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه، فاطلع إلينا، فقال: ما تذكرون؟ قلنا: الساعة، قال: "إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس".
وفي رواية أن العاشرة: "نزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم".
وفي رواية أن العاشرة: "وريح تلقي الناس في البحر".
رواه مسلم.
والخسف، هو أن تبتلع الأرض جزءا منها بما عليها، ويرتفع تراب من جوفها، ويغطي ما تم خسفه.
والدخان، شيء يغطي ما بين الأرض والسماء، كدخان الحرائق.
وقوله: "وريح تلقي الناس في البحر" كأنها مزحة سخيفة من الراوي، لما لم يعرف ما هي العلامة العاشرة، أطلق هذه المزحة، ولا يحل المزاح في مثل هذا!
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبايع لرجل ما بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله فإذا استحلوه فلا يسأل عن هلكة العرب ثم تأتي الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا وهم الذين يستخرجون كنزه".
رواه أحمد.
وعن عبدالله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة".
رواه البخاري ومسلم.
قلت: وتخريب ذو السويقتين للكعبة، إنما يقع بعد أن يقبض الله أرواح المؤمنين، فلا يبقى سوى المشركين.
والله أعلم وأحكم.