الراجح أنه فرعون وقومه من العرب، وليسوا من القبط، يتّضح ذلك وبجلاء من اسم فرعون نفسه، واسم زوجته آسية بنت مزاحم، ووزيره هامان.
ففرعون مشتق من فرع، أي: طال وعلا. والواو والنون هنا زائدة، كقولنا في سعد، سعدون، وفي حفص، حفصون، ونحو ذلك. وهذا اسم عربي. وبما أن هذا هو معنى اسم فرعون، فهذا دليل أخر على أنه اسم وليس لقب لملوك مصر.
وكذلك زوجة فرعون، فقد ورد في الأحاديث الصحاح والحسنة، أن اسمها: آسية، وهو مشتق من المواساة، واسم أبيها مزاحم، وهو مشتق من المزاحمة، وكلها أسماء عربيّة.
وأما هامان، فهو مشتق من الهيمنة، والألف والنون للمبالغة، وهو اسم عربي.
وقد ورد اسم هامان في النقوش المصرية، ووصف بأنه كان رئيس عمّال المحاجر. كما نصّ على ذلك رانكه في موسوعته، الأسماء في مصر القديمة.
ومما يجب التنبيه عليه، أن بعض الباحثين، زعم أن هامان لقب وليس اسما، وأن هامان لقب مركب من شقين: "ها" وتعني: النافذ، و "آمان" وتعني: آمون، أي: الإله آمون، أحد معبودات الشعوب المصرية القديمة. وبالتالي يكون اسم هامان، اسما مركبا، ومعناه: النافذ إلى الإله آمون.
قلت: وهذا هراء، وكلام فارغ، فإن ما ذهب إليه هذا الباحث، لا يدل من قريب ولا من بعيد، على علاقةٍ بين هامان حامل هذا الاسم، وبين رئاسة عمّال المحاجر، فما توصل إليه الباحث، من أن هامان إنما هو لقب للنافذ إلى الإله آمون، إنما يصلح أن يكون لقباً تشريفياُ لكاهن من كهنة آمون، الذين يقومون بالتكهُّن عند هذا الوثن، وليس لرئيس عمّال المحاجر. ثم إن اشتقاق اسم هامان، يدل على أنه اسم، وليس لقباً.
ونعود إلى الحديث عن أصل فرعون وقومه، فأقول:
إن مما يزيد الأمر وضوحا، أن اسم بلادهم هي: مصر، وهو اسم عربي.
إذاً الراجح أن فرعون وقومه من العرب، ولكن من أي العرب؟
ذهب بعضهم إلى أنه من العماليق وهم الأكثر، وبعضهم زعم أنه من حِمْيَر، وهذا لا شك أنه من وضع قصاص حِمْيَر، بل إن الحِميريين، زعموا أن العماليق منهم نسباً، ليردوا نسب ملوك مصر إلى حمير، وهذا كله باطل، وبعضهم زعم أنه من لخم.
وقد يكون من عماليق، أو من لخم، أو قد يكون من جذام أو عاملة أو من أحد قبائل قضاعة أو الأزد، لأن هذه القبائل، من القبائل العربية السبّاقة إلى الهجرة خارج الجزيرة العربية، والاستقرار في العراق والشام وسيناء ومصر.
فأما عماليق، فإن رواة اليهود يذكرون في تاريخهم، أنهم زمن موسى وهارون ويوشع عليهم السلام، كانوا يقيمون في فلسطين، لذلك فالقول بأن فرعون وقومه من العماليق، هو أضعف الأقوال، فتبقّى أن يكونون من إحدى القبائل العربية التي ذكرناها آنفاً.