قال تعالى في سورة سبأ: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)
قوله: (آيّةٌ) أي: عِبرة وعِظة.
وقوله: (جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ) أي: عن يمين واديهم وشماله، مليئة بالخيرات.
وقوله: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) والعَرِم اسم واديهم.
عن قتادة والضحاك، أن العِرِم، وادٍ تجتمع إليه مسايل من أودية شتى، فعمدوا فسدوا ما بين الجبلين بالصخر والقار، وجعلوا عليه أبوابا، وكانوا يأخذون من مائه ما احتاجوا إليه، ويسدون عنهم ما لم يعنوا به من مائه شيئا، فانسد زمانا من الدهر، لا يخافون الماء.
رواه الطبري.
وعن قتادة والضحاك، أن الله تعالى سلّط جرذاً يقال له الخُلد، يحفر في أساسه، حتى زعزع بنيانه، فاقتلع الماء ذلك السدّ، واقتلك جنان سبأ.
رواه الطبري.
ويظهر أن قتادة والضحاك، نقلا ذلك من قصاص اليمن، أو عمّن أخذ عنهم، وأما الباحثون، فقرّروا أنه قد يكون سبب انهيار السد، زلزال قويّ تسبب في زعزعت أساسات السد، مما تسبب في انهياره.
وقوله تعالى: (وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ)
عن عبدالله بن عباس قال: أبدلهم الله مكان جنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط، والخمط: الأراك.
رواه الطبري.
وقوله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً) أي: جعلنا بين قريتهم وبين القرى الكبيرة في اليمن، قرى صغيرة ظاهرة، فلا يحتاجون إلى حمل الزاد، ولا يخافون من قطّاع الطريق والسُرَّاق.
وقوله: (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) أي: سألوا من الله تعالى أن يجعل بينهم وبين القرى الكبيرة، مفاوز يحتاجون فيها إلى حمل الزاد والسلاح، لأنهم ملّوا حياة الترف والأمن.
وقوله: (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) أي: أحاديث للناس، يتحدثون عمّا أصابهم من الويل والدمار.
وقوله: (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي: فرّقهم الله تعالى في قبائل اليمن، بعد أن انهار السدّ عليهم، ودمر بلادهم.
ويظهر من خلال النقوش الحجرية، التي عثر عليها في اليمن، أن انهيار سدّ مأرب، وقع في وقت متأخر جداً، إذا أنه وحسب تلك النقوش الحجرية، انهار بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بمدّة طويلة.
ويرى عالم الآثار الألماني أدولف جروهمان، في كتابه التاريخ الثقافي للشرق القديم، أنه من خلال المعطيات الآثارية التاريخية، التي عُثِر عليها في تلك المنطقة، أن السد تعرّض لعدة تصدعات ولكن نهايته كانت في سَنَة خمس وسبعين وخمسمائة، بعد ميلاد النبي عيسى عليه السلام.
فإذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في شهور سنة عشرٍ وستمائة بعد الميلاد، تبيّن لنا أنه ليس بين انهيار السد وبين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، سوى قرابة خمسٍ وثلاثين عاما فقط.
وهذا يعني أن السدّ انهار وعُمر النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنوات.
وبهذا نعلم أن جميع الأخبار المروية في انهيار سد مأرب، ليست سوى أخبار موضوعة، وضعها القصّاص.