اعلم أن لسان الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى إبراهيم عليه السلام، وألْسُن بنيه، إلى يوشع بن نون عليه السلام، هو اللسان العربيّ.
وعلى هذا دليلان:
الأول: أن جميع أسماء الأنبياء عربيّة، منه ما جاء به مصرّحاً باشتقاقه العربي في تواريخ اليهود، ومنهم من دلّت اللغة العربيَّة، على أنه اسم عربي، من لفظه واشتقاقه.
والثاني: ما نصت عليه الآيات والأحاديث. فقد نصَّت الآيات بأن موسى عليه السلام، كان يخاطب الفتاتين من مدين، دون أن يكون بينهما ترجمان. ونصَّ الحديث الصحيح الذي رواه عبدالله بن عباس في خبر إسماعيل وأمّه، أن إبراهيم عليه السلام، كان يتحدث إلى زوجتي إسماعيل عليه السلام، وإلى ابنه إسماعيل، دون أن يكون بينهم تُرجمان، وهذا إن دلّ، فإنما يدلّ على أن ألسنهم جميعاً واحدة، وإن وقع اختلاف، فهو اختلاف يسير، كما يقع اليوم بين مختلف القبائل العربية.
ومع كون رواة اليهود، مقرين بأن أسماء أنبيائهم عربيّة، إلا أنه لا يزال هناك من يزعم أن أسماء الأنبياء ليست عربيّة، بل ويؤكّد على أنه لا ينبغي أن يبحث لها عن اشتقاقات في اللغة العربيّة!
ويحتج على ذلك بما قاله عبدالله بن عباس في خبر هاجر وابنها إسماعيل، من أن إسماعيل، تعلّم العربيّة من جرهم، وهذا خطأ من ابن عباس، وقد بيّنت وجه خطئه في ذلك، في مولد إسماعيل عليه السلام.
ويحتج على ذلك أيضا، بما روي عن أبي ذر الغفاري، أنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله ِكم الأنبياءُ؟ قال: مائةُ ألفٍ وأربعةٌ وعشرون ألفًا. قلتُ: يا رسولَ اللهِ كم الرسلُ منهم؟ قال: ثلاثُمائةٌ وثلاثةَ عشرَ جمًّا غفيرًا. قلتُ: يا رسولَ اللهِ من كان أولُهم؟ قال: آدمُ. قلتُ: يا رسولَ اللهِ نبيٌّ مُرسَلٌ؟ قال: نعم، خلقه اللهُ بيده ونفخ فيه من رُوحِه ثم سوّاه قبلًا. ثم قال: يا أبا ذرٍّ، أربعةٌ سِريانيون، آدمُ وشيثُ ونوحٌ وخنوخٌ وهو إدريسٌ وهو أولُ من خطَّ بالقلمِ وأربعةٌ من العربِ هودُ وصالحٌ وشعيبٌ ونبيُّك يا أبا ذرٍّ، وأولُ نبيٍّ من بني إسرائيلَ موسى وآخرُهم عيسى، وأولُ النبيِّينَ آدمُ وآخرُهم نبيُّكَ.
روا الطبري.
وهذا حديث موضوع، فلا يحتج به.
ويحتج على ذلك أيضا، بأن أسماء أبناء إبراهيم من قطورة، وأسماء أبناء يعقوب غير يوسف، كلها ليست عربيّة، بل هي أعجمية.
والحقيقة أن ما ورد من أسماء لأبناء إبراهيم من قطورة، وأسماء أبناء يعقوب غير يوسف، إنما هي محرّفة عن أصلها العربيّ، فعندما استعجمت ألسنة ذريّة بني إسحاق، بفعل اختلاطهم بالأمم الأعجمية، أصبحوا يلفظون أسماء أبناء يعقوب بطريقة خاطئة.
والدليل على ذلك، أنهم ينطقون اسم نوح: نوخ، و: نخّ، وينطقون اسم إبراهيم: أفراهام، وينطقون اسم إسحاق: إزخاق، وأيزك، وينطقون اسم يعقوب: ياكوف، وجيكوف، وموسى ينطقونه: موشى، ويوشع ينطقونه: هوشع، ودواد، ينطقونه: ديفد، ودافيد، وسليمان، ينطقونه: سولومون، وسولومان، والياس، ينطقونه: إيليا، واليسع، ينطقونه: اليشع، ويونس، ينطقونه: يونان، ومتّى، ينطقونه: متّاي، وعزير، ينطقونه: ايزرا، وأيوب، ينطقونه: جوب، ويوب، ولولا أن هذه الأسماء وردت بالنصّ في القرآن الكريم والسنة النبويّة المطهّرة، لكنا اليوم نقرأها في الترجمة العربية للتوراة والإنجيل بألفاظها التي اصطلح عليها مستعجمة أهل الكتاب.
وإنما عُدِّل لفظها في العربيّة لأن المترجمون يعلمون أن اللفظ الصحيح للاسم موجود في القرآن، فلما لم يجدوا أسماء أبناء يعقوب في القرآن، كتبوها كما يلفظها مستعجمة بني إسرائيل.
فتبيّ من خِلال ما سبق، أن حججهم كلّها باطلة، بينما صرّحت الأدلة بأن أسماء الأنبياء عربيّة.
والذي أقطع به، أن العربية هي لسان الأنبياء من لدن آدم عليه السلام، إلى يوشع بن نون عليه السلام، لأنه ثبت أن موسى كان عربياً، فهو من ناحية يعيش في بيئة عربية، فقد اثبت سابقاً أن فرعون وقومه عرب، ثم قدرة موسى على التحدث مع الفتاتين من مدين بلا ترجمان، إذا موسى قطعا رجل عربي اللسان، وبالتالي، فإن قومه من بني إسرائيل كانوا عرباً، وبالتالي ليس ليوشع بن نون لسان سوى لسان قومه، وهي العربيّة.
وأما من جاء بعد يوشع بن نون من بني إسرائيل، إلى زمن عيسى عليه السلام، فلغتهم قد لا تكون عربية، لأن اللسان العبري، استعجم فيما بعد، ولكن لا نعرف على وجه الدقة متى استعجم لسان بني إسرائيل، ولكنهم ظلّوا يحتفظون بكثير من جذور لغتهم العربيّة السابقة، لذلك نجد، أنه حتى الأنبياء الذين جاءوا بعد يوشع، أسماء أكثرهم، إن لم يكونوا كلّهم، عربية، ولها اشتقاق في العربيّة.
والله أعلم وأحكم.