صفة النّار

قال تعالى في سورة البقرة: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)

قوله: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) أي: حطبها الناس الذين كفروا بربهم، والحجارة لزيادة حرها.

فإن قيل: لما لم يذكر كافروا الجِنّ؟

فالجواب: استغنى عن ذكر الجِنّ هنا، لأن هذه الآية موجّهة للإنس، وقد ذكر ربنا عز وجل أن كافروا الجِنّ، سوف يعذّبون كما يعذّب كافورا الإنس.

قال تعالى في سورة الأنعام: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)

وقال تعالى في سورة الأعراف: (قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ)

وقال تعالى في سورة الأعراف أيضاً: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)

وقال تعالى في سورة الصافات: (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)

وقوله: (لَمُحْضَرُونَ) أي: لمحضرون العذاب، ولذلك أخطأ من تأول أن المراد بالجِنّة هنا الملائكة، فالملائكة لا يوصفون بأنهم جِنّ، وإن كان هذا جائزاً في اللغة، لأن الملائكة لا يحضرون العذاب.

فتبيّن من خِلال هذه الآيات، أن العذاب يقع على كفّار الجِنّ كما يقع على كفّار الإنس.

وقال أيضا: (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

وقوله: (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أي: أهل الشرك والإلحاد، خالدون في النار إلى الأبد، كما أن أهل الجنّة خالدون فيها إلى الأبد، وقد ذكرت الأحاديث في ذلك، أثناء الحديث عن صفة الجنّة. وأما العصاة فلا يخلدون فيها، بل يعاقبون على قدر ذنوبهم، حتى إذا هذّبوا ونُقّوا أخرجوا منها وأدخلوا الجنّة، بشفاعة الملائكة والأنبياء والشهداء والصالحين، وقد ذكرت الأحاديث في ذلك، في أثناء حديثي عن أهوال يوم القيامة، وصفة الجنّة.

وقال أيضا: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)

قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً) هذه صفة بعض أهل النار، أنهم يكتمون ما أنزل الله تعالى على رسله، وكتبوه في الكتب، مما أمر الله به أو نهى عنه، لأنه لا يوافق أهوائهم، ويأخذون على ذلك الكتمان الرِشى، من الملوك والرؤساء والكبراء.

وقوله: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) أي: يسخر الله تعالى بهم، إذ جعلوه يدخلهم النّار بسبب أعمالهم الفاسدة الشرّيرة، وكأنهم قادرون على الصبر على جمرها ولهيبها.

وقال أيضا: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

وفي هذه الآية، يذكر الله هنا صفة أخرى من صفات أهل النار، وهي الارتداد عن الإسلام بعد الإيمان، وأن الكفر بعد الإسلام، محبطٌ للأعمال السابقة، التي كانت وقت إسلام العبد، فلا ينفعه إسلامه الأوّل بعد ارتداده.

وقال تعالى في سورة آل عمران: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

وفي هذه الآية، يخبرنا الله تعالى، أنه لن ينفع الرجل أن يقدّم أمواله وأولاده إلى الله تعالى، لكي ينقذه من النار، ولن ينقذه من النار، إلّا إيمانه بالله وبوحدانيته في ربوبيته وألوهيته، والإقرار بصفاته، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عمّا نهى عنه وزجر.

وقال أيضا: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاء بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)

وفي هذه الآية، يخبرنا ربّنا عزّ وجلّ، أنّ من اتبع رضوان الله ومن باء بسخَط من الله، مختلفو المنازل عند الله. فلمن اتبع رضوان الله، الكرامةُ والثواب الجزيل، ولمن باء بسخط من الله، المهانةُ والعقاب الأليم

وقال أيضا: (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)

وفي هذه الآية، يخبرنا ربّنا عزّ وجلّ، أن لا تغترّ بما عليه الكفّار من رغيد العيش، وسعة الأرزاق، وما هم فيه من قوّة، لأن ذلك كله متاع الحياة الدنيا، ثم بعج موتهم، مآلهم جهنم.

وقوله: (وَبِئْسَ الْمِهَادُ) أي: بئس الفِراش، والمِهاد هو الفراش، وكل شيء هيئ للجلوس أو النوم.

وقال تعالى في سورة النساء: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)

وقوله: (نَضِجَتْ) أي: احترقت، بدلهم الله جلوداً أخرى، ليقاسوا ألم الاحتراق.

وقال تعالى في سورة النساء: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)

وفي هذه الآية، يخبرنا ربّنا عزّ وجلّ، أن المنافقين، هم أهل الدَرْك الأسفل من النار، والدَرْك الأسفل، هو أشدّ النار عذاباً.

وقال تعالى في سورة المائدة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)

قوله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ) أي: عذاب دائم لا ينقطع.

وقال تعالى في سورة الأنعام: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ)

قوله: (ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) أي: حين فتناهم، لم يكن جوابهم على ما فتنّاهم عليه، إلّا أن أرادوا أن يكذبوا على الله، بإنكار أن يكونوا مشركين، وهذا مثل ما يقع اليوم من مشركي الصوفية والرافضة، الذين إذا قال لهم المسلمون: أنتم مشركون. قالوا: لسنا مشركين، بل موحّدين، وإنما أردنا بدعائنا غير الله، تعظيم الله، فأردنا بدعائنا غيره، أن يكون هؤلاء شفعاء لنا عند الله تعالى، يرددون قول أسلافهم من مشركي قريش والعرب من قبل.

وقوله: (انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ) أي: أنهم يكذبوا بهذا على الله تعالى ولا كذبوا بهذا على المسلمين، بل كذبوا على أنفسهم، لأنهم يريدون أن يوهموا أنفسهم أنهم لم يخطئوا حتى وهم أمام الله يوم القيامة!

وقوله: (وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) أي: أضلّوا معبوداتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى، التي كانوا يكذبون ويدّعون أنها شفيعة لهم عند الله!

وقال أيضا: (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ)

قوله: (إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ) وهذا يوم القيامة عندما يأمر كل طائفة من المشركين والملحدين باتباع آلهتهم وكبراءهم، فإذا وقفوا على حافة الأرض، وهمّوا بالسقوط في الجحيم، قالوا: (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

وقوله: (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ) أي: أن الله اكذبهم في قولهم ذلك، وأخبر أنهم إنما بدا لهم ما كانوا يخفونه في الدنيا، من الكفر والخبث والشرّ الذي في نفوسهم، ويتظاهرون بخلافه، حيث كانوا يدّعون أنهم إنما يريدون الخير والصلاح.

وقوله: (وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ) أي: أن الله تعالى لو ردّهم إلى الدنيا، لعادوا لما كانوا عليه من الكفر والخبث والشرّ، لكفرهم وخبثهم وشرّهم، وفي هذه الآية دليل على أن الله تعالى يعلم بما لم يكون إا كان كيف يكون، لأن إعادتهم إلى الدنيا لن تكون.

وقال أيضا: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)

قوله: (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ) أي: انتفع بعضنا ببعض، فشياطين الجن، تغوي الناس لتحصل بذلك على منفعة من منافع الدنيا، وكذلك الإنس، أطاعوا شياطين الجنّ، ليحصلوا بذلك على منفعة من منافع الدنيا.

وقوله: (وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا) أي: الموت.

وقوله: (إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ) استثنى الله هنا، ويظهر أن الاستثناء إنما هو لعصاة المسلمين من الإنس والجن، أي: أنهم هم من شاء الله أن لا يخلدوا في النار مع الخالدين.

وقوله: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا) وقوله نولّي، من الولاء، أي: أن الله تعالى يُسلِّط شياطين الجنّ على شياطين الإنس، ويجعل شياطين الجن تؤزّ شياطين الإنس على الشرّ، كما قال تعالى في سورة الزخرف: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)

وقوله: (بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) أي: بما كانوا يكسبون من الآثام والخطايا، ويسارعون في الكفر والشرّ.

وقوله: (ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) أي: أن سبب إبقاء الله تعالى على كثير من الكفّار في الحياة الدنيا، وعدم استئصاله لهم، بسبب ظلمهم، والكلم هنا هو الكفر والشرك، هو أنه لم يبعث لهم رسول، فإذا بعث إليهم رسول فكذبوه تكبراً وعناداً، أهلكهم الله تعالى، كما فعل بقوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب.

وقوله: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ) أي: أن لكل عامل في طاعة الله أو معصيته، منازل ومراتب من عمله يبلغه الله إياها، ويثيبه بها، كُلٌّ بحسبه، إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فشرًا، فالجنة درجات، والنار دركات.

وقال تعالى في سورة الأعراف: (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)

قوله: (افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) أي: افترى على الله تعالى ديناً لم يشرعه الله تعالى.

وقوله: (كَذَّبَ بِآيَاتِهِ) أي: كذب بما جاء به المرسلون أو دعاتهم من الحق الذي أنزله الله عليهم.

وقوله: (أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ) أي: ما كتبه الله عليهم، بمعنى: أوجبه الله عليهم، والكتاب هنا، المراد به: الفرض والإيجاب، من العذاب الأليم.

وقوله: (رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ) أي: ملائكة الموت، فهم رُسُل الله تعالى لقبض أرواح عباده.

وقوله: (ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ) أي: أمم سبقتكم إلى الكفر، من الجن والإنس، وهذا دليل على أن الجن يموتون كالبشر، وأنهم في حاجة إلى التزاوج، الذي يكون بسببه حفظ نوعهم من الإنقراض.

وقوله:(حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا) أي: أدرك بعضهم بعضاً في النار، بمعنى: تلاحقوا، واكتملوا في النار.

وقوله: (لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء) أي: لا ترتفع أرواحهم عند قبضها إلى السماء، كما هو حال المؤمنين.

وقوله: (الْجَمَلُ) قيل: المراد بذلك الحبل الغليظ، وقيل: هو الحيوان المعروف.

وقوله: (سَمِّ الْخِيَاطِ) أي: في ثقب الإبرة، وذلك مستحيل.

وقوله: (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ) أي: فراش من النار.

وقوله: (وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ) أي: لهيب النار ودخانه وحممه التي يقذف بها، فهي تغشاهم.

وقال أيضا: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)

يخبرنا الله تعالى هنا، بما سوف يقع بين أهل الجنّة وأهل النّار من حوار، عندما يطّلع أهل الجنّة على أهل النار.

وقوله: (وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) أي: أي: رجالاً من الكفار، يعرفون بسيماهم، أي: بعلامات يعرفونهم بها، وكانوا يعرفونهم في الدنيا.

وقال تعالى في سورة التوبة: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)

وفي هذه الآية، يحذّر الله تعالى، الذين يكنزون الذهب والفضّة، ولا يؤدون حقها من الزكاة، التي افترضها الله عليهم، ويتوعدهم في الأخرة بالعذاب، ويشمل هذا الوعيد، الكفار وعصاة المسلمين، الذين يبخلون بمالهم عمّا افترضه الله عليهم.

وقال أيضا: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)

وفي هذه الآية، يتوعد الله تعالى من يتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، للجهاد في سبيل الله تعالى.

وقال تعالى في سورة يونس: (إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)

قوله: (وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا) أي: رضوا بما يصيبهم فيها من نعيم.

وقال أيضا: (وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ)

قوله: (مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ) أي: قفوا أنتم ومن جعلتموهم شركاء لله تعالى.

وقوله: (فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ) أي: ميّزنا وفصلنا بينهم، فجعلنا شركائهم ف يجانب، والمشركين في جانب.

وقوله: (مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ) .. الآية. أي: جحد هؤلاء المعبودون من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام والأحجار والأشجار، عبادة المشركين لهم، وأن الله شهيدٌ على أن المشركين عبدوهم، وهم غافلون عنهم، لا يعلمون عن عبادتهم لهم شيئاً، ولا أمروهم بذلك.

وقال أيضا: (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)

ومعنى الآية: أن لو أن الإنسان يملك جميع ما في الأرض، لأراد أن يفتدي به من عذاب الله، ولن يفتديه شيء من ذلك.

وقال تعالى في سورة هود: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)

وقال تعالى في سورة الرعد: (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

وقله: (الأَغْلالُ) أي: سلاسل الحديد، تُغلّ بها رقابهم.

وقال أيضا: (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ لِيَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)

قوله: (مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ) أي: مجموعون مربوطون في أصفاد من الحديد. 

وقوله: (سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ) أي: ألبستهم، من نحاس مذاب.

وقال تعالى في سورة الكهف: (وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا)

قوله: (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي: أعرضوا عنهم، وأنكروا عبادتهم لهم.

وقوله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا) أي: جعلنا بينهم هلاكاً، والمَوْبِق، هو الهلاك.

وقال تعالى في سورة إبراهيم: (وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ)

قوله: ( مَّاء صَدِيدٍ) أي: ماء قذر، سيء الطعم، سيء الرائحة. وقيل: أن الصديد هنا، المراد به القيح والدم، فهو ماء مخلوط بالقيح والدم، الذي يخرج من أجساد أهل النار عند احتراقها.

وقال تعالى في سورة الحجر: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ)

قوله: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ) أي: أن أبواب النار سبعة.

وقوله: (لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) أي: لكل باب جزء من أهل النار يدخلون منها، بحسب أعمالهم، قسمه الله هذه الأبواب بين أهل النار، قبل أن يخلقهم بعلمه، ثم قسمها لهم عند الحساب بحكمه وعدله.

وقال تعالى في سورة الإسراء: (وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)

قوله: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ) أي: يسيرون على وجوههم إهانة لهم.

عن أنس بن مالك يقول: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: كيف يحشرهم على وجوههم؟ قال: "الذي يحشرهم على أرجلهم قادر بأن يحشرهم على وجوههم".

رواه الطبري.

قوله: (عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا) أي: عُمياً عن رؤية ما يسرهم، فلا يرون إلّا ما يسوءهم، وبكماً لا ينطقون بحجة، لأنه ليس لديهم حجة ينطقون بها، وصُمّاً عن سماع ما يسرهم، فلا يسمعون إلّا ما يسوئهم.

وقوله: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) أي: أن النار تضعف حرارتها ولهيبها، فيوقد عليها لتعود كما كانت.

وقال تعالى في سورة مريم: (وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)

وقال أيضا: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا)

وقال تعالى في سورة الأنبياء: (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ)

وقال أيضا: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ) 

وقال أيضا: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)

وقال تعالى في سورة الحج: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)

قوله: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا) أي: أن أهل النار يحاولون الفرار منها، فتقبض عليهم ملائكة العذاب وتعيدهم إلى مواضعهم التي أعدت لهم.

وقال تعالى في سورة المؤمنين: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)

قوله: (كَالِحُونَ) أي: متقلّصة شفاههم عن أسنانهم.

وقوله: (قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) أي: أن الله تعالى يأذن لأهل النار في الاستغاثة ما شاء أن يأذن لهم، ثم يقول لهم: اخسئوا فيها ولا تكلمون، فيختم على أفواههم، فلا يستطيعون الكلام بعدها.

وقال تعالى في سورة الفرقان: (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلا)

وهذه الآية، تفيد أن الكفّار عندما يسيرون إلى جهنم، يسيرون على وجوههم.

وقال تعالى في سورة النمل: (وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

وهذه الآية تفيد أن أهل النار، يلقون على وجوههم في جهنم.

وقال تعالى في سورة السجدة: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ)

قوله: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ) العذاب الأدنى، هو العذاب الذي يصيبهم في الدنيا، من أضرار تصيبهم في أنفسهم أو أموالهم أو بلادهم، لعلهم ينتبهون ويرجعون، والعذاب الأكبر، هو عذاب الأخرة.

وقال تعالى في سورة الأحزاب: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا)

وقال تعالى في سورة سبأ: (وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ یَرۡجِعُ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ ٱلۡقَوۡلَ یَقُولُ ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ لَوۡلَاۤ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِینَ قَالَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوۤا۟ أَنَحۡنُ صَدَدۡنَـٰكُمۡ عَنِ ٱلۡهُدَىٰ بَعۡدَ إِذۡ جَاۤءَكُمۖ بَلۡ كُنتُم مُّجۡرِمِینَ وَقَالَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَاۤ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥۤ أَندَادࣰاۚ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا۟ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَـٰلَ فِیۤ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۖ هَلۡ یُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ)

وهذه الأية، تدل على أن الله تعالى يجمع بين الكفار، الأتباع والمتبوعين، فيتخاصمون أمام الله تعالى.

وقال تعالى في سورة فاطر: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ)

قوله: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ) أي: ألم نمدّ في أعماركم بالقدر الذي يكفي من أراد أن يتذكر أن يتذكر، ولم يبيّن الله تعالى كم العمر الكافي لذلك، فمن المعلوم أن الإنسان مكلّف في سن الخامسة عشرة، وعليه تجري الأحكام، فيظهر والعلم عندالله تعالى، أن سن الخامسة عشر، هو العمر الكافي للتذكر.

وقال تعالى في سورة الصافات: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ)

قوله: (شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) هي شجرة النار.

وقوله: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) أي: أن جذورها وساقها ينبت في أصل الجحيم، وتتلوى أغصانها صاعدة إلى سائر دركات النار، وتتلوى بين جبالها ووهادها.

وقوله: (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ) أي: أن ثمارها قبيحة المنظر، منتن الريح، سيء الطعم.

وقوله: (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ) أي: يشاب لهم طعامهم، بماء حار، شديدة الحرارة، يشربونه بعد الأكل، فهو يختلط في بطونهم.

وقوله: (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ) أي: أن مرجعهم إلى هذا العذاب، لا ينقطع عنهم.

وقال تعالى في سورة ص: (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ)

قوله: (حَمِيْم) أي: الماء الحار، شديدة الحرارة.

وقوله: (غَسَّاق) أي: ما يغسق أي: يخرج من عيونهم من دمع وغمص، وما يخرج من جلودهم من قيح ودم، يسيل في أودية النار، فيكون لهم شراباً مع الحميم.

وقوله: (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) أي: هذا هو حديث أهل النار.

وقال تعالى في سورة الزمر: (فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)

قوله: (مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أي: أن النار قد غشيتهم، فهي كالظّلة تحتهم وفوقهم.

وقال أيضا: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ)

قوله: (كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ) هم الذي أشركوا بالله تعالى وأحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله، وابتدعوا البدع في دين الله، كطوائف المتكلمين والصوفية والرافضة.

وقال أيضا: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)

وقال تعالى في سورة غافر: (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)

قوله: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) هذا في قبورهم، يفتح لهم نافذة إلى النار، فيأتيهم من حرها وسمومها وريحها.

وقوله: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ) الآية. هذا من حديثهم في النار.

وقال أيضا: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)

قوله: (يُسْجَرُونَ) أي: يُدْخَلُون.

وقوله: (تَفْرَحُونَ) أي: تتكبّرون، وكل فرح في القرآن المراد به: التكبّر، فمن الفرح ما هو مباح، وهو الفرح بلا تكبّر، وإنما يفرح الإنسان بما يصيبه من خير، ومنه ما هو مذموم، وهو ما خالطه التكبّر.

وقوله: (تَمْرَحُونَ) أي: تلهون عن سماع الحق واتباعه، واستماعكم للباطل واتباع أهوائكم، فمن المرح ما هو مباح، ومنه ما هو محرّم.

وقال تعالى في سورة فصلت: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ)

قوله: (يُوزَعُون) أي: يقسّمون، كل طائفة لها درك وباب.

وقوله: (وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ) أي: لو عتبوا على ربهم في شدّة عذابه لهم، فلم يُعتِبهم، لأنهم ليس لهم عند الله قيمة ولا وجاهة حتى يعتبهم.

وقوله: (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء) أي: قرناء سوء، من الإنس والجن، تؤزهم على الشرّ، جزاء لهم على كفرهم واعراضهم عن الحق.

وقال تعالى في سورة الزخرف: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ)

قوله: (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) أي: لا يضعف عنهم، بل هو على شدّته وقوته، كل ما أرادت النار أن تفتر في حرِّها وإحراقها، أوقد عليها حتى تعود كما كانت.

وقوله: (مُبْلِسُونَ) والإبلاس هو الإفلاس، لذلك أطلق على من آيس من الخير، وأاقم في العذاب: مبلس.

وقال تعالى في سورة الدخان: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ)

قوله: (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) والمُهل، هو دُردي الزيت، وهو ما يترسب في الإناء منه، أي: أن طعامها ساخن جداً، لدرجة أنه يغلي في بطون أهل النار، فيتعذبون منه، ومع ذلك لا صبر لهم عنه، لما يصيبهم من الجوع.

وقوله: (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) أي: كغلي الماء الساخن، من شدّة السخونة.

وقوله: (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) أي: سوقوه بجذبه إلى النار، أو دفعه إليها بشدّة.

وقوله: (إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ) أي: إلى جوف النار.

وقوله: (صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ) أي: يصب على رأسه صهارة النيران والماء المغلي.

وقوله: (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) أي: يسخر الله وملائكته منهم، لما كان يصدر منهم من كبر وغرور في الدنيا.

وقوله: (تَمْتَرُونَ) أي: تشكّون.

وقال تعالى في سورة الجاثية: (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ)

قوله: (الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا) أي: نترككم في العذاب، والنسيان هنا معناه: الترك، وليس المراد به عدم تذكّر الشيء، لأن النسيان له معنيان عند العرب، فيأتي على معنى الترك، ويأتي على معنى فقد ذكر الشيء.

وقال تعالى في سورة الأحقاف: (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ)

وقال أيضا: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ)

وقال تعالى في سورة محمد: (كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ)

وقال تعالى في سورة الطور: (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لا تُبْصِرُونَ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

قوله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) أي: يدفعون إلى النار دفعاً شديداً.

وقال تعالى في سورة القمر: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)

قوله: (سَقَر) أي: النار، وسقر اسم من أسماءها.

وقال تعالى في سورة الرحمن: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)

قوله: (بِالنَّوَاصِي) أي: مقدمة شعر الرأس، وهي الناصية.

وقوله: (وَالأَقْدَامِ) أي: أن المجرمين يجرون إلى نار جهنم بعضهم بناصيته، وبعضهم بقدمه.

وقوله: (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) أي: يطوفون بين حممها وصهارتها، وبين ماءها الحار. وقوله: () أي: بلغ منتهى سخونته.

وقال تعالى في سورة الواقعة: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ)

قوله: (فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) أي: شاربون من ذلك الماء الساخن كما تشرب الإبل الهِيم، والإبل الهيم، هي الإبل يصيبها مرض يجعلها تشرب الماء بشراهة، أي: أنه مع شدة سخونة هذا الماء، إلّا أنهم مع ذلك يشربونه بشراهة، لشدة ظمئهم. 

وقوله: (هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) أي: هذا ما يستحقونه في النار يوم القيامة.

وقال تعالى في سورة الملك: (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ)

وقال تعالى في سورة الحاقة: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِؤُونَ)

قوله: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) أي: قيّدوه بالأغلال، فتصفد يداه وقدماه، ويوضع غِلٌّ في رقبته، بطول رقبته.

وقوله: (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) أي: تسلك في دبره حتى تخرج من منخريه حتى لا يقوم على رجليه، كذا روي عن عبدالله بن عباس، عند الطبري وابن أبي حاتم، والله أعلم بصحة ذلك.

وقوله: (وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ) هذا من طعام أهل النار.

وقال تعالى في سورة المعارج: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى)

قوله: (نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى) أي: تحرق لحم بطونهم، فتندلق أحشاءهم على أرض النار، والشوى هي أحشاء البطن.

وقال تعالى في سورة المزمل: (وَذَرۡنِی وَٱلۡمُكَذِّبِینَ أُو۟لِی ٱلنَّعۡمَةِ وَمَهِّلۡهُمۡ قَلِیلًا إِنَّ لَدَیۡنَاۤ أَنكَالࣰا وَجَحِیمࣰا وَطَعَامࣰا ذَا غُصَّةࣲ وَعَذَابًا أَلِیمࣰا)

قوله: (وَطَعَامࣰا ذَا غُصَّةࣲ) أي: يغصّ به أكله، لشدّة مرارة طعمه ونتن ريحه، ولكنهم مع ذلك ياكلونه، لحاجتهم إليه، مما يصيبهم من الجوع الشددي.

وقال تعالى في سورة المدثر: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)

وقوله: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) أي: تسعة عشر نقيباً من الملائكة، خزنة النار، يرأسهم مالك، هو رئيسهم كلهم.

وقال تعالى في سورة الإنسان: (إِنَّاۤ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَـٰفِرِینَ سَلَـٰسِلَا۟ وَأَغۡلَـٰلࣰا وَسَعِیرًا)

وقال تعالى في سورة المرسلات: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ هَٰذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ ۖ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ)

قوله: (انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) أي: إلى النار.

وقوله: (انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ) أي: دخان النار، وهو ظلها الذي يستظل به أهل النار، له ثلاث شعب، ولا أحد يعلم كيف هي هذه الشعب الثلاث.

وقوله: (لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ) أي: أنهم يريدون أن يستظلوا به، ولكنه لا يظلهم، فهو دخان حار يخنق الأنفاس، ولا يكف عنهم لهب النار وحرارتها.

وقوله: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) أي: أن الشرر الذي ترمي به، كالقصر العظيم، والقصر، هو البيت الكبير، ويظهر أن المراد بذلك، أن فيها براكين، تقذف بالحُمم، الحُمَمَة الواحدة بحجم القصر.

وقوله: (كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ) أي: جمال صفر، والجِمال هي ذكور الإبل، والجِمال الصفر عند العرب، هي الحمراء التي يميل لونها إلى السواد، فتراها من بعيد سود، وإذا دنوت منها رأيتها حمراء شديدة الحُمرة، وهو اللون الذي نسميه اليوم: البُنِّيّ الداكن، فالأصفر في الإبل والبقر عند العرب، هو ما كان لونه بُنّيٌّ داكن.

وقوله: (هَٰذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) أي: بعد أن يصطرخوا في النار مدّة طويلة، يقال لهم أخسئوا فيها، فتخرس ألسنتهم، وتصمّ أذانهم، وتعمى أبصارهم، فلا تسمع بعدها سوى الشهيق والزفير.

وقوله: (ذَا يَوْمُ الْفَصْلِ) أي: هذا يوم القيامة، سمّي يوم الفصل، لأنه يفصل فيه بين العباد.

وقوله: (جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) أي: جمعناكم مع أسلافكم الماضين، وآبائكم الهالكين.

وقوله: (فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) أي: إن كان لكم كيدٌ لتتخلصوا من عذابي ونقمتي فكيدون.

وقال تعالى في سورة المرسلات أيضاً: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)

قوله: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) أي: فبأي حديث بعد القرآن يؤمنون، فمن لم يؤمن بعد سماع القرآن، فلن يؤمن بغيره، وفي هذا دليل قاطع، على أن من سمع القرآن، فقد قامت عليه الحجة، وتبيّنت له المحّة، فليس بعد هذا سوى الكِبر والإعراض.

وقال تعالى في سورة النبأ: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِلطَّاغِينَ مَآبًا لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا لّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاء وِفَاقًا إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا)

وقال تعالى في سورة الأعلى: (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى)

وقال تعالى في سورة البلد: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ)

قوله: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ) أي: مغلقة عليهم، فالنار لهم كالسجن، إذا دخلوا فيها، أغلقت عليهم أبوابها.

وقال تعالى في سورة الهمزة: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ)

وقوله: (فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ) أي: بعد أن تصود أبوابها، يعرض على تلك الأبواب عمد من حديد أو مما شاء الله، لإحكام غلقها.

عن أبي رزين العقيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعمر إلهك إن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا ويسير الراكب بيهما سبعين عاما".

رواه أحمد، بسند ضعيف.

قلت: وهذا مساو للبعد بين أبواب الجنّة، فإن صح هذا الحديث، فربما تكون عرض أبواب النيران كعرض أبواب الجنة أيضاً، والله أعلم.

وعن حطان الرقاشي قال: سمعت عليا يقول: "هل تدرون كيف أبواب جهنم؟ قلنا: هي مثل أبوابنا هذه. قال: لا، هي هكذا بعضها أسفل من بعض".

رواه ابن أبي حاتم.

وعن أبي هريرة قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ سمع وجبة فقال: هل تدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم! قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى، فسمعتم وجبتها".

رواه مسلم.

قلت: يقرر الخبراء، أن سرعة الحجر أثناء السقوط، تصل إلى 98 م/ث، بعد عشر ثوانٍ من سقوطه، فإذا ضربنا هذا العدد في ستين، الذي يمثل عدد ثواني الدقيقة، ثم ضربنا الناتج في ستين أيضاً، الذي هود عدد دقائق الساعة، ثم ضربنا الناتج في أربع وعشرين ساعة، والتي تمثل ساعات النهار، ثم ضربنا الناتج في ثلاثين، الذي يمثل أيام الشهر، ثم ضربنا الناتج في اثنى عشر، والذي يمثّل عدد شهور السنة، ثم ضربنا الناتج في سبعين سنة، فسوف يكون الناتج 213.373.440.000 متر ويساوي 213.373.440 كم فهذا تقريباً طول النار، من شفيرها وحتى قعرها.

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوقد على النار ألف سنة حتى ابيضّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى احمرّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت، فهي سوداء مظلمة كالليل المظلم".

رواه الترمذي.

وعن أبي ظبيان عن سلمان الفارسي قال: "النار سوداء مظلمة، لا يطفأ جمرها، ولا يضيء لهبها".

قلت: وهذا قريبٌ مما نراه من الحمم البركانية التي تخرج من باطن الأرض، فإنها تكون سوداء من شدّة الحرارة.

وعن أبي هريرة أن النبي قال: "ناركم هذه التي يوقد بنو آدم، جزء من سبعين جزءا من نار جهنم". قالوا: والله إن كانت لكافية! قال: "إنها فضّلت عليها بتسعة وستين جزءا، كلهن مثل حرها".

رواه البخاري ومسلم.

وعن عبدالله بن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون الزقوم طعامه".

رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا، وإن ضرسه مثل أحد، وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة".

رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وتأويل هذا الحديث، أن الله تعالى يزيد في أحجام أجساد أهل النار، حتى تكون بهذا الحجم الكبير، كما سوف يزيد في أحجام أهل الجنّة، حتى يكون حكم جسد الواحد منهم، ستون ذراعاً طولاً.

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب السريع".

رواه البخاري ومسلم.

قلت: وهذا قريب من المسافة بين المدينة ومكة.

وفي رواية عند مسلم: "وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام" وهو بلا شك وهم من الراوي.

وعن أبي سعيد الخدري، أن النبي قال: "وهم فيها كالحون، قال: تشويه النار فتقلّص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته".

رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.

وعن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه".

رواه البخاري ومسلم.

وعن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أهون أهل النار عذابا، من له نعلان وشراكان من نار، يغلي منهما دماغه كما يغل المرجل، ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا".

رواه مسلم.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب".

رواه مسلم.

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه".

رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار، وكان أول من سيب السوائب"

رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشمسُ والقمر مكوَّران يومَ القيامة".

رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشمسَ والقمَر ثوران في النارِ يومَ القيامة"، فقال له الحسن: وما ذنبهما؟! فقال: أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: وما ذنبهما.

رواه البزار.

وإنما تلقى الشمس والقمر في النار، لأنهما عبدا من دون الله تعالى، فهما يلقيان فيها، كما تلقى سائر الأصنام والأوثان، ولا تكون النار عذاباً لها، لأنها جماد، وإنما يفعل بهما ذلك، زيادة في تبكيت الكفار وحرستهم، أي: لو أن هذه آلهة كما زعمتم، لما ألقيت في النار، وسعِّرت النار بها.

صفة الجنّة

قال تعالى في سورة البقرة: (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

قوله: (جَنَّاتٍ) المراد بالجَنَّات هنا، الحدائق والبساتين.

وقوله: (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) أي: تسيل من تحتها المياه، في منظر بديع جميل، وهو شبيه بالأنهار التي تجري من تحت الغابات في الدنيا.

وقوله: (قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا) أي: يشبه أطعمة الدنيا في صورتها، فأهل الجنّة يقولون: هذه الأطعمة تشبه الذي كان الله تعالى يرزقنا إيّاه ونحن في الدنيا.

وفي هذا دليل على أن في الجنّة حدائق الفواكه والخضروات والأعشاب كالذي في الدنيا، إلّا أن طعمه أحلى وأشهى، ولا يعتريه تغيّر ولا فساد، بإذن الله.

وقوله: (وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أي: خلود أبدي لا موت فيه.

عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم: يا أهل النار لا موت، ويا أهل الجنة لا موت، كل خالد فيما هو فيه» .

وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقال لأهل الجنة: خلود ولا موت ولأهل النار خلود ولا موت» .

وعن ‌أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه. ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح. ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. ثم قرأ: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا، (وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).

رواه البخاري.

وقال تعالى في سورة آل عمران: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)

وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة. فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً".

رواه مسلم.

وقال تعالى في سورة النساء: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً)

قوله: (ظِلاًّ ظَلِيلاً) أي: ظل الأشجار والغُرّف والخِيام والقصب.

وقال تعالى في سورة النساء أيضا: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً)

قال تعالى في سورة الأعراف: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)

قوله: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ) أي: لا يحقد بعضهم على بعض، بما وقع بينهم من شحناء في الدنيا، فقلوبهم سليمة بعضهم على بعض.

وقوله: (عَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ) والأعراف هو عرف السور المضروب بين الجنّة والنّار، قال تعالى في سورة الحديد: (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) أي: باطنه الذي يلي الجنّة مظهره جميل يسرّ الناظرين، وظاهره مما يلي أهل النار، مظهره قبيح يسوء الناظرين. 

واختلف في هؤلاء الرجال الذين على الأعراف، فقيل: ملائكة، وقيل بل هم إنس وجن مسلمون، تساوت سيئاتهم وحسناتهم، فلم يدخلوا الجنّة ولم يدخلوا النار، فيجعلهم الله تعالى على الأعراف، يرون الجنّة ونعيمها فيتحسّرون، ويرون النار وجحيمها فيخافون ويرتعبون، عقوبة من الله تعالى على ما فرّطوا، والراجح أنهم رجال من الإنس والجن، لقوله: (وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) أي: أنهم كانوا يعرفونهم في الدنيا بأسمائهم وصورهم.

وقوله: (أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ) قال الربيع بْن أنس: كان رجال في النار قدْ أقْسموا بالله لا ينال أصْحاب الأعْراف من الله رحْمة، فأكْذبهم الله فكانوا آخر أهْل الجنة دخولاً فيما سمعْناه عنْ أصْحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

روابه ابن أبي حاتم.

وقوله: "فكانوا آخر أهل الجنّة دخولاً" له تأويلان:

الأول: أن المراد بذلك، أي: قبل الشفاعة لمن سقط في النار من أهل الكبائر، فإنه إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، ودخل أهل النار النار، سواء من عصاة المسلمين أو الكفّار، يمكثون ما شاء الله أن يمكثوا على الأعراف، ثم يدخلهم الجنّة، فيكونون أخر من يدخل الجنّة من أهل الجنّة بعد الحساب.

والثاني: أنهم لا يدخلون الجنّة، إلا بعد أخر من يدخلها من أهل النار، فيكون الحديث الذي ورد فيه أن أخر من يدخل الجنّة من العصاة الذين دخلوا النار، إنما يراد به من خرج من النار وأدخل الجنّة من العصاة الذين دخلوا النار.

والله أعلم.

وقال تعالى في سورة التوبة: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

وقال تعالى في سورة يونس: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

وقال تعالى في سورة يونس: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

قوله: (وَزِيَادَةٌ) عن صهيب، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: وما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم».

رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم.

وقال تعالى في سورة هود: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ)

قوله: (مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) قال عبدالرحمن بن زيد: ما دامت الأرض أرضًا، والسماءُ سماءً. 

رواه الطبري.

قلت: أي: أن الأرض لو تركها الله تعالى إلى الأبد، لكانت أرضاً إلى الأبد، فلن تستحيل إلى مخلوق أخر، وأن السماوات لو تركها الله تعالى إلى الأبد، لكانت سماء إلى الأبد، فلن تستحيل إلى مخلوق أخر، فجعل الله ذلك منها معياراً للدلالة على خلود أهل الجنّة في الجنّة، والله أعلم.

ويدل على ذلك، قوله تعالى بعد ذلك: (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي: غير مقطوع، والجذّ هو القطع.

وقال تعالى في سورة الرعد: (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)

وقال تعالى في سورة إبراهيم: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ)

قوله: (خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي: أي: أذن الله تعالى لهم بالخلود، فلا يموتون أبدا، لأنه لا يقع شيء في ملك الله تعالى إلّا بإذنه.

وقال تعالى في سورة الحجر: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ)

قوله: (إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) أي: جالسون على أسرتهم، متقابلين، يحدّث بعضهم بعضاً، فيما يشاؤون من حديث.

وقال تعالى في سورة الكهف: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا)

وقال تعالى في سورة الكهف أيضا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا)

وقال تعالى في سورة مريم: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاَّ سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا)

وقال تعالى في سورة الحج: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)

قال تعالى في سورة الفرقان: (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولا)

وقال تعالى في سورة العنكبوت: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)

قوله: (غُرَفَاً) أي: القصور.

وقال تعالى في سورة فاطر: (ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)

قوله: (ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) أي: المسلمين.

وقوله: (ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ) أي: عصاة المسلمين، الذين يرتكبون ما حرم الله، ويدعون شيئاً مما افترضه الله تعالى، ولكنهم لا يتركون التوحيد والصلاة، لأن من تركهما كفر، ولم يعد من المسلمين.

وقوله: (مُّقْتَصِدٌ) أي: مقلّ من أعمال الخير، وليس من العصاة.

وقوله: (سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) أي: مكثرٌ من أعمال الخير، وليس من العصاة.

وقال تعالى في سورة يس: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ)

قوله: (مُتَّكِؤُونَ) أي: متكؤون على أرائكهم.

وقوله: (مَّا يَدَّعُونَ) أي: ما يتمنّون.

وقال تعالى في سورة الصافات: (إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ)

قوله: (سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) أي: متقابلين على أسرتهم، والأسرة هنا، هي الكراسي الوثيرة، التي أعدّت للجلوس.

وقوله: (مِن مَّعِينٍ) أي: أن شرابها مأخوذ من عيون الجنّة.

وقوله: (بَيْضَاء) أي: أن صفة الكأس أنها بيضاء، مع أنها من ذهب أو فضة، ولكن من صفائها وكأنها بيضاء.

وقوله: (لا فِيهَا غَوْلٌ) أي: لا تغتال عقولهم، بسكر ونحوه.

وقوله: (وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) أي: لا توجعهم بطونهم منها فيتقيئونها، كما تفعل خمر الدنيا.

وقوله: (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) أي: قصُرَت أطرافهن، أي: أنظارهن على أزواجهن.

وقوله: (عِينٌ) أي: واسعات الأعين.

وقوله: (بَيْضٌ مَّكْنُونٌ) أي: مستور، محفوظ.

وقوله: (قَرِينٌ) أي: صاحب، وقد يراد به هنا صديق السوء، وقد يراد به قرين الشيطان.

وقوله: (لَمَدِينُونَ) أي: محاسبون.

وقوله: (الْمُحْضَرِينَ) أي: محضرٌ للعذاب.

وقال تعالى في سورة ص: (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ)

قوله: (مَآبٍ) أي: مرجع ومآل ومصير.

وقوله: (أَتْرَابٌ) أي: متساويات في السِنّ والجمال.

وقوله: (مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ) أي: ليس له انقطاع.

وقال تعالى في سورة الزمر: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثْنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)

قوله: (زُمَرًا) أي: جماعات، والزُمرة هي الجماعة.

وقوله: (وَأَوْرَثْنَا الأَرْضَ) أي: أرض الجنّة.

وقال تعالى في سورة الزمر: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ)

قوله: (غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ) أي: قصور، غرفها أدوار، بعضها فوق بعض، شبيهة بقصور الدنيا.

وقوله: (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) أي: تجري من أمام هذه القصور، في منظر بديع.

وقال تعالى في سورة الزخرف: (الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ)

وقال تعالى في سورة الدخان: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

قوله: (سُنْدُس) أي: الحرير الرقيق.

وقوله: (إِسْتَبْرَق) أي: الحرير الغليظ.

أي: أنهم يلبسون هذا أحياناً وهذا أحياناً، وقد يكون الثوب الواحد مصنوعاً من النوعين، الرقيق والغليظ.

والحرير، ثياب تنسج من خيوط تنتجها دودة تعرف بدودة القزّ، خيوطها رقيقة وناعمة جدّاً، ولا تتمزّق بسهولة، حتى أنه يطعن فيها بالسيف فلا تتمزّق.

وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا؛ فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

رواه البخاري ومسلم.

قوله: "لا تلبسوا الحرير" أي: لا تلبسوا لباساً صنع من خيوط الحرير.

وقوله: "ولا الديباج" الديباج هو كل نسيج نُسِج من حرير خالص.

وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير، فجعلنا نلمسه ونتعجب منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من هذا؟ قلنا: نعم، قال: مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا.

رواه البخاري ومسلم.

وقال تعالى في سورة محمد: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ)

وعن حكيم بن معاوية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: "إن في الجنة بحر العسل، وبحر الخمر، وبحر اللبن، وبحر الماء، ثم تنشق الأنهار بعد".

رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وقوله: "بحر" أي: نهر، فالعرب تسمي النهر بحراً، بدلالة قوله في أخر الحديث: "ثم تنشق الأنهار بعدُ".

قلت: وأنهار الجنّة تنبع من الفردوس الأعلى، كما جاء في حديث أبي هريرة: "فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تُفجَّر أنهار الجنة".

رواه البخاري.

ولعل هذا من النعم التي أُختُصّ بها أهل الفردوس الأعلى، أنهم يستطيعون رؤية منابع أنهار الجنّة.

وقال تعالى في سورة الطور: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لّا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)

وقال تعالى في سورة النجم: (عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)

وقال تعالى في سورة القمر: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)

وقال تعالى في سورة الرحمن: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)

قوله: (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) أي: ذوات ألوان وأشكال مختلفة، والأفنان مفرده: فن، وهو اللون والشكل المختلف.

وقوله: (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ) أي: أن عيون هاتين الجنّتين، تجري جرياناً.

وقوله: (زَوْجَانِ) أي: نوعان.

وقوله: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) أي: لم يجامعهن ويفتضّهنّ إنس ولا جان.

وقوله: (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) أي: دون الجنتين الأوليين، وقد يراد بقوله: (دُونِهِمَا) أي: أقرب منهما، وقد يراد به: أقلّ منهما في الحُسن.

وقوله: (مُدْهَامَّتَانِ) أي: شديدة الخُضرَة من الرِيّ.

وقوله: (نَضَّاخَتَانِ) أي: تنضخ بالماء نضخاً، فهي لا تجري كعيون الجنتين الأوليين، والنضخ والنضح واحد.

وقوله: (مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) أي: أنهنّ قُصِرْن على أزواجهنّ، فلا يبغين بهم بدلا ولا يرفعن أطرافهن إلى غيرهم من الرجال.

وقوله: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) أي: لم يفتضّهن قبلهم أحد من رجال الإنس أو الجنّ، فهنّ أبكار، لا يفتضهن إلّا أزواجهنّ.

وعن أبي موسى الأشعري قال: قال : "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما".

رواه البخاري ومسلم.

قلت: ولا أعلم ما معنى هذه الجنان الأربع، في الآيات والحديث، فقد يراد بها، أن لكل مسلم في الجنّة أربع جنان، وقد يراد بها أن الجنّة مقسمة إلى أربع درجات رئيسيّة، فذكر الله في سورة الرحمن، الجنتين العلويّتين، وشيءٍ من وصفها، ثم ذكر الجنتين السفليّتين، وشيءٍ من وصفها.

قلت: فإن كان هذا هو المراد، فهذا يعني أن الجنة أربع درجات رئيسية، وكل درجة مقسمة إلى خمس وعشرين درجة، فهذه مائة درجة، كما ورد في حديث أبي هريرة، وبهذا نجمع بين الحديثين، ويتبين لنا معناهما.

والله أعلم وأحكم.

وقال تعالى في سورة الواقعة: (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلاَّ قِيلا سَلامًا سَلامًا وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاء مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لّا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ)

قلت: وهنا يميّز الله تبارك وتعالى بين أصحاب اليمين والسابقون، ويفاضل بينهم في العطايا.

فقوله: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) أي: المقتصدين في الأعمال الصالحة، وقد يقعون في الخطايا والآثام.

وقوله: (وَالسَّابِقُونَ) أي: المكثرين من الأعمال الصالحة، المكثرين للتوبة والاستغفار.

وقوله: (السَّابِقُونَ) أي: تأكيد على شرفهم وعظيم منزلتهم ومدحٌ لهم.

وقوله: ( أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) أي: الذين قرّبهم الله تعالى، ورفع منزلتهم في الجنّة.

وقوله: (ثُلَّةٌ) أي: الجماعة. كأنهم أكثر من القليل.

وقوله: (مِّنَ الأَوَّلِينَ) أي: الذين آزروا الأنبياء وجاهدوا معهم، وخلفوهم بخير، وعلى أيديهم انتشر الإسلام.

وقوله: (وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ) أي: من الذين جاءوا بعد الثُلّة، ممن تمسك بكتاب الله وسنة رسول الله، واجتهد في طاعة الله تعالى.

وقوله: (سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ) أي: سرر منسوج عليها الأقمشة المحشوّة بناعم الحشو.

وقوله: (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ) أي: جالسون على هذه السُرُر، وهذا يدل على أن هذه السُرر، عبارة عن كراسي وثيرة، يقابل بعضهم بعضاً للحديث.

وقوله: (وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ) أي: خمر من عين في الجنّة.

وقوله: (لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا) أي: لا يصيبهم الصداع الذي يصيب شار بالخمر في الدنيا.

وقوله: (وَلا يُنزِفُونَ) أي: لا تذهب عقولهم من السُكْر، كما تفعل خمر الدنيا.

وقوله: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا) اللغو من القول، هو الكلام الباطل، والتأثيم، هو القول الذي يعود على صاحبه بالإثم.

وقوله: (سِدْرٍ مَّخْضُودٍ) أي: قد خُضِد شوكه، أي: قطع، فلا شوك له.

وقوله: (وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ) والطلح هو الشجر ذو الظِلال الوافرة، ومنضود، أي: جمع بعضه إلى بعض، لأن النضد، هو الجمع.

وقوله: (وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ) أي: في ظلّ دائم ليس هناك شمس فتذهبه، وكل ما لا انقطاع له فإنه ممدود

وقوله: (وَمَاء مَّسْكُوبٍ) أي: سائل.

وقوله: (لّا مَقْطُوعَةٍ) أي: لن ينقطع هذا النعيم أبداً.

وقوله: (وَلا مَمْنُوعَةٍ) أي: لا يمنع عنها أحد من أهل الجنّة، فهي حلال لهم من الله تعالى.

وقوله: (وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ) أي: مرتفعة عن أرض الجنّة.

وقوله: (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء) أي: الحور العين، ومعناه: أنشاهن في خلق حسن، وقال: (إِنْشَاء) للتوكيد.

وقوله: (فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا) أي: لم يفتضهن أحد من قبل.

وقوله: (عُرُبًا أَتْرَابًا) العُرُب، جمع عَرُوب، وهي المتغنجات المتحببات لأزواجهن. وأترابا، جمع تريبة، وتَرِبَة، وهن المتساويات في الأعمار والجمال.

وقال تعالى في سورة الحاقة: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)

قوله: (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) أي: ثمارها قريبة في متناول يد من يريدها.

وقال تعالى في سورة المدّثر: (إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ)

قوله: (إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ) المراد بأصحاب اليمين هنا، جميع أهل الجنّة، السابقون ومن دونهم.

وقوله: (يَتَسَاءَلُونَ) أي: أن هذا من حديث أهل الجنّة الذي يتحدثون به، وهو تساؤلهم عن أهل النار، وسبب دخولهم فيها.

وقال تعالى في سورة الإنسان: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا)

قوله: (كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) أي: خمر ممزوجة بالكافور.

وقوله: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا) أي: تأتي هذه الخمر الممزوجة بالكافور، من عين في الجنّة.

وقوله: (يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) أي: يسيلون ويجرون ماءها حيث شاءوا.

وقوله: (شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) أي: شرّه ممتد، والمستطير، أي: الممتد.

وقوله: (قَمْطَرِيرًا) أي: الشديد والعصيب.

وقوله: (شَمْسًا) أي: ليس في الجنّة حرٌّ، لأنه ليس فيها شمس.

وقوله: (زَمْهَرِيرًا) أي: وليس فيها برد، والزمهرير هو البرد.

وقوله: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا) أي: أن ظِلالها وافرة، دانية منهم، أي: قريبة منهم.

وقوله: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) أي: أن قطوفها، وهي ثمارها، مذلّلتٌ لهم، لدنوها منهم، وقربها منهم، فهم يقطفون منها، وقال: (تذليلا) للتوكيد.

وقوله: (كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا) أي: خمر ممزوجة بالزنجبيل، وهي غير الخمر الممزوجة بالكافور.

وقوله: (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) أي: تؤخذ هذه الخمر الممزوجة بالزنجبيل، من عين في الجنّة، تسمّى سلسبيل.

وقوله: (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ) أي: يلبسون أساور خلقت من الفضّة.

وقال تعالى في سورة النبأ: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا وَكَأْسًا دِهَاقًا لّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا)

قوله: (وَكَوَاعِبَ) الكاعب هي الناهد، التي لم ينكسر ثديها، فهي مزبورة النهدين.

وقوله: (دِهَاقًا) أي: لا تنقطع هذه الخمر.

وقال تعالى في سورة المطففين: (كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)

قوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ) أي: أن أسماء أهل الجنّة مكتوب في كتاب فوق السماء السابعة.

وقوله: (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) أي: ملائكة السماء السابعة.

وقوله: (رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ) أي: خمر مختوم بالمسك، أي: أن المسك في أخر الكأس.

وقوله: (وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) أي: أن هذا الرحيق ممزوج بشراب من عين تسمّى: تسنيم. وقد يراد بالمقربين هنا: السابقون. وقد يراد به كل أهل الجنة. والله أعلم.

وقال تعالى في سورة الغاشية: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لّا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)

قوله: (لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) أي: بسبب سعيها في كسب مرضات الله تعالى، أرضاها الله.

وقوله: (جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) أي: علو مكان ومكانة، فهي عالية، فوق السماوات السبع.

وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله, ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة".

رواه البخاري.

قوله: "في الجنة مائة درجة" أي: أن الجنة مائة درجة، بعضها أدنى من بعض، ومتفاضلة في النعيم.

وقوله: "للمجاهدين في سبيله" أي: الذين يجاهدون أنفسهم في طاعة ربهم.

وقوله: "كما بين السماء والأرض" أي: أن بين كل درجة ودرجة مفازة عرضها كما بين السماء والأرض، لا يستطيع من في الدرجة الأدنى تجاوزها، ولا يدرى كم بين السماء والأرض إلّا الله تعالى.

وقوله: "فإنه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة" أي: أن الجنةّ محدّبة السطح، فهي كروية تامة الاستدارة، أو نصف كرة، جزئها الأوسط إلى الأعلى، وأن الفردوس هو أعلى درجة فيها.

وقوله: "فوقه عرش الرحمن" أي: أن الحضرة الإلهيّة المعظّمة، البحر والدار والعرش، فوق الفردوس الأعلى، ليس فوق الفردوس شيء غير ذلك، وإنما أكتفى في الحديث بالإشارة إلى العرش، لاستغنائه بذكره، عن ذكر البحر والدار، والله أعلم.

وعن سهل بن سعد قال: شَهدت من النبي صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَا وَصَفَ فيه الجَنَّة حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه: "فيها ما لا عَيْنٌ رأَت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَر على قَلب بَشَر" ثم قرأ:(تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) [السجدة] إلى قوله تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة]

رواه مسلم.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أَعْدَدْتُ لعِبَادي الصَّالحين ما لا عَيْنٌ رأَت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَر على قَلب بَشَر". واقْرَؤُوا إن شِئْتُمْ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة].

رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغائر من الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم". قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين".

رواه البخاري ومسلم.

وذلك أن كل درجة أرفع من الأخرى، فيتراءون أهل الدرجات الدنيا، أهل الدرجات العليا.

عن المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن موسى عليه السلام سأل ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ فقال: رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب. فيقول: لك ذلك، ومثله، ومثله، ومثله. فقال في الخامسة: رضيت رب. قال: رب فأعلاهم منزلة. قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر".

رواه مسلم.

وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، أو: كما بين مكة وبصرى".

وأما ما روي من أن ما بين المصراعين مسيرة أربعين سنة، فلا يصح مرفوعاً، والأرجح أنه من قول عبدالله بن سلام، فيما نقله من كتب أهل الكتاب، من وضع قصاصهم وتهويلاتهم، فوهم الرواة في رفعه، ورواه عنه عتبة بن غزوان في الحديث المروي عنه.

وعن ‌سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون".

رواه البخاري.

وعن أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب: أي فل هلم. قال أبو بكر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك الذي لا توى عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو أن تكون منهم".

رواه البخاري.

قوله: "أي فُلّ" معناه: يا فلان، وقوله: أي فُلّ، اختصار للكلمة.

وقوله: "لا توى عليه" أي: لا بأس عليه.

وعن عمر بن الخطاب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء".

رواه مسلم.

فكل هذه الروايات تفيد أن أبواب الجنة ثمانية.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفس محمد بيده، أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى".

أخرجه البخاري ومسلم.

وفي رواية عند البخاري: "لكما بين مكّة وحمير" ويظهر أنه وهم من الراوي، أو تصحيف من الكاتب، وصوابه: هَجَر.

وقوله: "هَجَر" هي منطقة الأحساء وما يليها من البحر، وكانت تعرف أيضاً: بالبحرين.

والمسافة بين مكة وهجر، أو مكة وبصرى، متقاربة، وهي قريب من سبعمائة ميل.

وعن أبي رَزين العقيلي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإن للجنة ثمانية أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما".

قلت: هذا بعد ما بين الباب والباب.

وحديث العُقيلي، حديث ضعيف.

وقوله: "يسير الراكب بينهما سبعين عاماً" والراكب هنا، يراد به راكب الإبل، لأنها مراكب العرب، وراكب الإبل يقطع في اليوم قرابة ستين ميلاً، فإذا ضربنا هذا العدد في ثلاثين يوما، وهو عدد أيام الشهر، ثم ضربنا الناتج في اثنى عشرة شهراً، وهو عدد شهور السنة، ثم ضربنا الناتج في سبعين عاماً، الواردة في الحديث، كانت الناتج قرابة ألف ألف وخمسمائة ألف ميل، فهذا بعد ما بين باب وباب من أبواب الجنّة، هذا إن صحّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك.

فإن قال قائلٌ: إذا كانت أبواب الجنة بهذا العُرض الهائل، ومتباعدة كلّ هذه المسافات الطويلة، فكيف يراها المؤمنون مجتمعة، وكأنها متقاربة، ويرون الملائكة تنادي عليهمن للدخول من تلك الأبواب؟

والجواب: الظاهر، أن الله تعالى يعطيهم قوة في الأسماع وقوة في الأبصار، يرون من خلالها جميع أبواب الجنَّة، وتنادي عليهم الملائكة، ويقطعون تلك المسافات الهائلة، وكأنها سافات قصيرة. والله أعلم.

وعن أبي سعيد الخدري، أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم  عن تربة الجنة؟ فقال "درمكة بيضاء، مسك خالص".

رواه مسلم.

وفي رواية عند مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من سأل ابن صائد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما تربة الجنة؟ قال: درمكة بيضاء مسك يا أبا القاسم! قال: صدقت.

فإن كانت هذه الرواية هي الصحيحة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو من سأل ابن صائد، فإنما وقع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم لابن صائد، من باب الامتحان، ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم هل لديه علم من كتبهم أم لا، ويكون هذا مما ذكر في كتب اليهود، ووافق الحق الذي عند النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "صدقت" وكان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يعجبهم أن يكون ما عندهم من الحق موافق لما عند أهل الكتاب، فيكون حجة على أهل الكتاب.

وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال في خبر المعراج: "ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها حبايل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك".

رواه البخاري.

وفي رواية مسلم: "جنابذ" بدلا من "حبايل" وهذا كما يظهر خطأ من النسّاخ وليس من الرواة، ولكن لا أحد يدري أي الكلمتين هي الصحيحة.

فإن كانت حبائل، فهي جمع حبالة، والعرب تقول للكثيب المستطيل من الرمل: حبالة، وعلى هذا فيكون معنى حبائل اللؤلؤ، أي: وهي مرتفعة من اللؤلؤ، كحِبال الرمل.

وإن كان الصواب: جنابذ اللؤلؤ، فهي جمع جنبذة، بضم الجيم المعجمة، ومعناها: قبّة، فيكون معنى الحديث: قباب اللؤلؤ.

قلت: وهذا يدل على أن تربة الجنّة بيضاء، ناصحة البياض، وليست عفراء كتربة الأرض، وفي ساحل عُمان، رمال بيضاء، شبيهةٌ برمال الجنّة.

وعن عبدالله بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ثلاثون ميلاً، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون".

رواه البخاري.

وفي رواية أخرى عند البخاري: "ستون ميلاً".

ورواه مسلم، عن عبدالله بن قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلا، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضاً".

وفي رواية أخرى عند مسلم: "في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل، ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن".

قلت: فتبين من خلال الأحاديث أن طول الخيمة في السماء ثلاثون ميلا وعرضها ستون ميلا.

والشاهد من الأحاديث، أن للمؤمنين خيام في الجنّة، طولها في السماء ثلاثون ميلاً، وعرضها ستون ميلاً، وأنه لبعد المسافة بين أركانها، لا يرى الحور العين والجواري بعضهم بعضاً فيها.

وعن أبي هريرة، قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب".

رواه البخاري ومسلم.

والشاهد من الحديث أن في الجنة بيوت من قصب.

عن أبي هريرة وسهل بن سعد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها".

رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية عن أبي سعيد الخدري قال: "الراكب الجواد المضمر السريع".

رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي مسعود الأنصاري، قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة".

رواه مسلم.

والشاهد من الحديث، أن في الجنّة مراكب الإبل.

عن ‌عبد الله بن عمرو: عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما".

رواه البخاري.

والشاهد من الحديث، أن للجنّة ريحاً طيّبة، توجد من مسيرة أربعين سنة، ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم، أيّ مسير هو، للراجل أم الراكب، وإلا لستطعت أن أقدر هذه المسافة.

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد. فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك".

رواه مسلم.

فدلّ هذا الحديث، على أن النبي صلى الله عليه وسلم، هو أوّل من يلج الجنّة.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة".

رواه مسلم.

فدل الحديث، على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هم أول الأمم دخولاً للجنة.

فيدخل فقراء أمة محمد قبل فقراء الأمم الأخرى، ويدخل أغنيائهم قبل أغنياء الأمم الأخرى.

وعن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها".

رواه البخاري.

فدل هذا الحديث على عظمة الجنّة.

وعن ‌أبي هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة - الأنجوج عود الطيب - وأزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء".

رواه البخاري ومسلم.

قوله: "على صورة القمر" أي: في وضاءته وجماله، وهؤلاء هم السابقون.

وقوله: "على أشد كوكب دُرّيِّ في السماء" أي: في وضاءته وجماله، وهؤلاء هم أهل اليمين.

وقوله: "ورشحهم المسك" أي: العرق الذي يسيل منهم، رائحته كرائحة المسك.

وقوله: "الأنجوج عود الطيب" يظهر أنها مدرجة من أحد الرواة، كبيان لمعنى الألوّة.

وقوله: "على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم" أي: أن جميع أهل الجنّة على صورة أبيهم آدم، لأنه أُعطي أحسن صورة أعطيها بشر.

وقوله: "ستون ذراعاً في السماء" أي: طولهم في الجنّة، ستون ذراعاً، بأقيسة أهل الدنيا.

وفي رواية زاد: "قلوبهم على قلب رجل واحد لا تباغض بينهم ولا تحاسد لكل امرئ زوجتان من الحور العين يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم".

وفي رواية زاد: "يسبحون الله بكرة وعشيا".

وكلها روايات صحيحة، وقد قدمنا أن ذلك يقع بسبب نسيان الرواة، فيكمل بعض الرواة ما أسقطه الراوي الأخر.

وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون". قالوا: فما بال الطعام؟ قال "جشاء ورشح كرشح المسك. يلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النفس".

رواه مسلم.

قوله: "جُشاء" والجشاء هو الصوت الذي يخرج من الفم.

وقوله: "ورشح" أي: عَرَق يفيض من البدن.

وعن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً أو سبعمائة ألف لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر".

رواه البخاري.

قلت: وهؤلاء هم السابقون.

وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: "ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا". فذلك قوله عز وجل: ( وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

رواه مسلم.

عن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة".

رواه مسلم.

وعن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".

رواه البخاري.

عن أبي سعيد الخدري  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده، كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلاً لأهل الجنة". فأتى رجل من اليهود، فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: بلى. قال: تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال إدامهم بالام ونون. قالوا: وما هذا؟ قال: ثور ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً".

رواه البخاري ومسلم.

وفي صحيح البخاري، أن عبدالله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم أول قدومه المدينة أسئلة منها: "ما أول شيء يأكله أهل الجنة؟ فقال: زيادة كبد الحوت".

وعن ثوبان أن يهودياً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد الحوت. قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها. قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين تسمى سلسبيلا. قال: صدقت".

رواه مسلم.

وعن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه".

رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.

وعن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً, فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم حسناً وجمالا".

رواه مسلم.

وعن صهيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، قالوا: ألم يبيض وجوهنا؟ ألم ينجنا من النار؟! ألم يدخلنا الجنة؟! قالوا: بلى، فيكشف الحجاب، فوالله ما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه".

رواه الترمذي.

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث، وعنده رجل من أهل البادية: "إن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكن أحب الزرع، فبذر، فبادر الطرف نباته. واستواؤه، واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله تعالى: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء". فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشياً أو أنصارياً، فإنهم أصحاب الزرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم".

رواه البخاري.

وعن ميمون بن مهران قال: خطب معاوية بن أبي سفيان أم الدرداء، فأبت أن تتزوجه، وقالت: سمعت أن أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرأة في آخر أزواجها، أو قال: لآخر أزواجها". 

رواه الطبراني في الأوسط.

وعن عبدالله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط، إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان. وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنّه".

رواه الطبراني في الأوسط.

وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا من الجماع". قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يطيق ذلك؟ قال: "يعطى قوة مائة رجل".

رواه الترمذي وقال: صحيح غريب.